ذكر قصد كيكاؤوس بن كيخسرو صاحب بلاد الروم حلب ولما مات الملك الظاهر صاحب حلب وأجلس ابنه العزيز في المملكة، وكان طفلاً، طمع صاحب بلاد الروم كيكاؤوس في الاستيلاء على حلب، فاستدعى الملك الأفضل صاحب سميساط، واتفق معه كيكاؤوس أن يفتح حلب وبلادها، ويسلمها إلى الملك الأفضل، ثم يفتح البلاد الشرقية التي بيد الملك الأشرف ابن الملك العادل، ويتسلمها كيكاؤوس، وتحالفا على ذلك.
وسار كيكاؤوس إلى جهة حلب معه الملك الأفضل، روصلا إلى رعبان، واستولى عليها كيكاؤوس، وسلمها إلى الملك الأفضل، فمالت إليه قلوب أهل البلاد لذلك، ثم سار إلى تل باشر وبها ابن دلدرم، ففتحها ولم يسلمها إلى الملك الأفضل، وأخذها كيكاؤوس لنفسه، فنفر خاطر الملك الأفضل وخواطر أهل البلاد بسبب ذلك، ووصل الملك الأشرف ابن الملك العادل إلى حلب لدفع كيكاؤوس عن البلاد، ووصل إليه بها الأمير مانع بن حديثه أمير العرب في جمع عظيم، وكان قد سار كيكاؤوس إلى منبج وتسلمها بنفسه أيضاً، وسار الملك الأشرف بالجموع التي معه ونزل وادي بزاعا واتقع بعض عسكره مع مقدمة عسكر كيكاؤوس، فانهزمت مقدمة عسكر كيكاؤوس، وأخذ من عسكر كيكاؤوس عدة أسرى فأرسلوا إلى حلب، ودقت البشائر لها، ولما بلغ ذلك كيكاؤوس وهو بمنبج ولى منهزماً مرعوباً، وتبعه الملك الأشرف يتخطف أطراف عسكره، ثم حاصر الأشرف تل باشر واسترجعها، كذلك استرجع رعبان وغيرها، وتوجه الملك الأفضل إلى سميساط ولم يتحرك بعدها في طلب ملك إلى أن مات سنة اثنتين وعشرين وستمائة على وما سنذكره إن شاء الله تعالى، وعاد الملك الأشرف إلى حلب وقد بلغه وفاة أبيه.
ذكر وفاة السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب كان الملك العادل نازلاً بمرج الصفر، وقد أرسل العساكر إلى ولده الملك الكامل بالديار المصرية، ثم رحل للملك العادل من مرج الصفر إلى عالقين، وهي عند عقبة أقبق، فنزل بها ومرض واشتد مرضه، ثم توفي هناك إلى رحمة الله تعالى سابع جمادى الآخرة، من هذه السنة، أعني سنة خمس عشرة وستمائة، وكان مولده سنة أربعين وخمسمائة، وكان عمره خمساً وسبعين سنة، وكانت مدة ملكه لدمشق ثلاثاً وعشرين سنة، وكانت مدة ملكه لمصر نحو تسع عشرة سنة، وكان الملك العادل رحمه الله تعالى، حازماً متيقظاً، غزير العقل، سديد الآراء، ذا مكر وخديعة، وصبوراً حليماً لسمع ما يكره، ويغضي عنه، وأتته السعادة واتسع ملكه، وكثرت أولاده، ورأى فيهم ما يحب، ولم ير أحد من الملوك الذين اشتهرت أخبارهم، في أولاده، من الملك والظفر ما رآه الملك العادل في أولاده، ولقد أجاد شرف الدين بن عنين في قصيدته التي مدح بها الملك العادل التي مطلعها: