والمنشئ المذكور، كان معه، فلذلك كان أخبر بأحوال جلال الدين ووالده من غيره. قال محمد المنشئ المذكور: إن خوارزم شاه محمد بن تكش، عظم شأنه واتسع ملكه، وكان له أربعة أولاد، قسم البلاد بينهم، أكبرهم جلال الدين منكبرني، وفوض إليه ملك غزنة، وباميان، والغور، وبست، وتكاباد، وزميزداور، وما يليها من الهند. وفوض خوارزم، وخراسان، ومازندران، إلى ولده قطب الدين زلاغ شاه، وجعله ولي عهده، ثم في آخر وقت عزله عن ولاية العهد، وفوضها إلى جلال الدين منكبرني وفوض كرمان، وكبش، ومكران، إلى ولده غياث الدين تبز شاه، وقد تقدمت أخباره. وفوض العراق إلى ولده ركن الدين غورشاه يحيى، وكان أحسن أولاده خلقاً وخلقاً، وقتل المذكور التتر بعد موت أبيه، وضرب لكل واحد منهم النوب الخمس في أوقات الصلوات، على عادة الملوك السلجوقية، وانفرد أبوهم خوارزم شاه محمد بنوبة ذي القرنين، وأنها تضرب وقتي طلوع الشمس وغروبها، وكانت دبادبه سبعاً وعشرين دبدبة من الذهب، قد رصعت بأنواع الجوهر، وكذا باقي الآلات النوبتية، وجعل سبعة وعشرين ملكاً يضربونها في أول يوم قرعت، وكانوا من أكابر الملوك، أولاد السلاطين، منهم: طغريل بن أرسلان السلجوقي، وأولاد غياث الدين صاحب الغور، والملك علاء الدين صاحب باميان، والملك تاج الدين صاحب بلخ، وولده الملك الأعظم صاحب ترمذ، والملك سنجر صاحب بخارا، وأشباههم، وكانت أم خوارزم شاه محمد تركان خاتون، من قبيلة بباووت، وهي فرع من فروع يمسك، وكانت بنت ملك من ملوكهم، تزوج بها تكش بن أرسلان بن أطسز بن محمد بن أنوشتكين غرشه، فلما صار الملك إلى ولده محمد بن تكش، قدم إلى والدته تركان خاتون قبائل يمسك من الترك، فعظم شأن ابنها السلطان محمد بهم، وتحكمت أيضاً بسببهم، تركان خاتون في الملك، فلم يملك ابنها إقليماً إلا وأفرد لخاصها منه ناحية جليلة، وكانت ذات مهابة ورأي، وكانت تنتصف للمظلوم من الظالم، وكانت جسورة على القتل، وعظم شأنها بحيث أنه إذا ورد توقيعان عنها وعن السلطان ابنها ينظر إلى تاريخهما، فيعمل بالأخير منهما، وكان طغر توقيعهما عصمة الدنيا والدين، آلغ تركان، ملكة نساء العالمين، وعلامتها اعتصمت بالله وحده، وكانت تكتبها بقلم غليظ، وتجود الكتابة.
قال المؤلف المذكور: ثم إن خوارزم شاه محمد، لما هرب من التتر بما وراء النهر وعبر جيحون، ثم سار إلى خراسان والتتر تتبعه، ثم هرب من خراسان ووصل إلى عراق العجم، ونزل عند بسطام، أحضر عشرة صناديق، ثم قال إنها كلها جواهر لا تعلم قيمتها، ثم أشار إلى صندوقين منها وقال: إن فيهما من الجواهر ما يساوي خراج الأرض بجملتها، ثم أمر بحملها إلى قلعة أزدهن، وهي من أحصن قلاع الأرض، وأخذ خط النائب بها بوصول الصناديق المذكورة مختومة، فلما استولى جنكزخان على تلك البلاد، حملت إليه الصناديق