ومذهب الفلاسفة، وحملوا المحضر إلى بعض الفقهاء الفضلاء، ليكتب خطه حسبما وضعوا خطوطهم به فكتب:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم
ولما جرى ذلك استتر الآمدي المذكور وسار إلى حماة، وأقام فيها مدة، ثم عاد إلى دمشق حتى توفي بها في هذه السنة، وكانت ولادته في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.
وفيها توفي الصلاح الأربلي، وكان فاضلاً شاعراً أميراً محظياً عند الملكين الكامل والأشرف ابني الملك العادل.
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وستمائة والملك الكامل بالبلاد الشرقية، وقد انثنى عزمه عن قصد بلاد الروم، للتخاذل الذي حصل في عسكره، ثم رحل وعاد إلى مصر، وعاد كل واحد من الملوك إلى بلده.
وفيها توفي الملك الزاهر داود صاحب البيرة ابن السلطان صلاح الدين، وكان قد مرض في العسكر الكاملي فحمل إلى البيرة مريضاً وتوفي بها، وملك البيرة بعده ابن أخيه الملك العزيز محمد صاحب حلب، وكان الزاهر المذكور شقيق الظاهر صاحب حلب.
وفيها توفي القاضي بهاء الدين بن شداد، في صفر وكان عمره نحو ثلاث وتسعين سنة، وصحب السلطان صلاح الدين، وكان قاضي عسكره، ولما توفي صلاح الدين كان عمر القاضي المذكور نحو خمسين سنة، ونال القاضي بهاء الدين المذكور من المنزلة عند أولاد صلاح الدين، وعند الأتابك طغريل، ما لم ينلها أحد ولم يكن في أيامه من اسمه شداد، بل لعل ذلك في نسب أمه فاشتهر به وغلب عليه، وأصله من الموصل، وكان فاضلاً ديناً، وكان إقطاعه على الملك العزيز ما يزيد على مائة ألف درهم في السنة.
وفيها لما سارت الملوك إلى بلادهم من خدمة الملك الكامل، وصل الملك المظفر صاحب حماة ودخلها، لخمس بقين من ربيع الأول من هذه السنة، واتفق مولد ولده المنصور محمد بعد مقدمه بيومين في الساعة الخامسة من يوم الخميس، لليلتين بقيتا من ربيع الأول من هذه السنة، أعني سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، فتضاعف السرور بقدوم الوالد والولد. قال الشيخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد قصيدة طويلة في ذلك، فمنها:
غدا الملك محروس الذرى والقواعد ... بأشرف مولود لأشرف والد
حبينا به يوم الخميس كأنه ... خميس بدا للناس في شخص واحد
وسميته باسم النبي محمد ... وجديه فاستوفى جميع المحامد
أي باسم جديه الملك الكامل محمد، والد والدته، والملك المنصور محمد صاحب حماة، والد والده، ومنها:
كأني به في سدة الملك جالساً ... وقد ساد في أوصافه كل سائد
ووافاك من أبنائه وبنيهم ... بأنجم سعد نورها غير خامد