المصلحتين واستحضره ليلاً، ثم عاد الملك الناصر إلى الكرك.
وفي هذه السنة سار السلطان الملك الكامل من مصر إلى البلاد الشرقية، واسترجع حران والرها من يد كيقباذ صاحب بلاد الروم، وأمسك أجناد كيقباذ ونوابه الذين كانوا بهما، وقيدهم وأرسلهم إلى مصر، فلم يستحسن ذلك منه، ثم عاد الملك الكامل إلى دمشق وأقام عند أخيه الملك الأشرف حتى خرجت هذه السنة.
وفي هذه السنة توفي شرف الدين محمد بن نصر بن عنين الزرعي، الشاعر المشهور، وكان شاعراً مفلقاً، وكان يكثر هجو الناس، عمل قصيدة خمسمائة بيت سماها مقراض الأعراض، لم يسلم منها أحد من أهل دمشق، ونفاه السلطان صلاح الدين إلى اليمن، فمدح صاحبها طغتكين بن أيوب، وحصل له منه أموال كثيرة، عمل بها ابن عنين متجراً وقدم به إلى مصر، وصاحبها حينئذ العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين، فلما أخذت من ابن عنين زكاة ما معه على عادة التجار، قال في العزيز:
ما كل من يتسمى بالعزيز لها ... أهل ولا كل برق سحبه غدقه
بين العزيزين بون في فعالهما ... فذاك يعطي وهذا يأخذ الصدقه
ثم سار ابن عنين المذكور إلى دمشق، ولازم الملك المعظم عيسى صاحب دمشق، وبقي عنده. وتوفي بدمشق في هذه السنة، وديوانه مشهور.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وستمائة فيها عاد السلطان الملك الكامل إلى الديار المصرية.
ذكر وفاة الملك العزيز صاحب حلب وفي هذه السنة كان قد خرج الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى حارم للصيد ورمى البندق، واغتسل بماء بارد، فحم، ودخل إلى حلب، وقد قويت به الحمى واشتد مرضه، وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وكان عمره ثلاثاً وعشرين سنة وشهوراً، وكان حسن السيرة في رعيته، ولما توفي تقرر في الملك بعده ولده الناصر يوسف ابن الملك العزيز محمد، وعمره نحو سبع سنين، وقام بتدبير الدولة شمس الدين لؤلؤ الأرمني، وعز الدين عمر بن مجلي، وجمال الدولة إقبال الخاتوني، والمرجع في الأمور إلى والدة الملك العزيز، ضيفة خاتون بنت الملك العادل.
وفي هذه السنة توفي علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو صاحب بلاد الروم، وملك بعده ابنه غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان ابن قطلمش بن أرسلان بن سلجوق.
وفي هذه السنة قويت الوحشة بين الملك الكامل وبين أخيه الملك الأشرف، وكان ابتداؤها ما فعله شيركوه صاحب حمص، لما قصد الملك الكامل بلاد الروم، فاتفق الملك الأشرف مع صاحبة حلب ضيفة خاتون