للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجريد، ثم خرج على عبد الله وهو على قابس، أصحابه، ورجموه وطردوه وولوا موضعه أخاه أبا زكريا بن عبد الواحد، سنة اثنتين وستين، فنقم بنو عبد المؤمن على أبي زكريا ذلك، فأسقط أبو زكريا اسم عبد المؤمن من الخطبة، وبقي اسم المهدي، وخلع طاعة بني عبد المؤمن، وتملك إفريقية، وخطب لنفسه بالأمير المرتضى واتسعت مملكته وفتح تلمسان والغرب الأوسط وبلاد الجريد، والزاب، وبقي كذلك حتى توفي على بونة، سنة سبع وأربعين وستمائة.

وأنشأ في تونس بنايات عظيمة شامخة، وكان عالماً بالأدب، وخلف أربعة بنين وهم: أبو عبد الله محمد، وأبو إسحاق إبراهيم، وأبو حفص عمر، وأبو بكر وكنيته أبو يحيى، وخلف أخوين وهما: أبو إبراهيم إسحاق، ومحمد اللحياني، ابني عبد الواحد بن أبي حفص. وكان محمد اللحياني المذكور صالحاً، منقطعاً يتبرك به، ثم تولى بعده ابنه أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا، ثم سعى عمه أبو إبراهيم في خلعه فخلع، وبايع لأخيه محمد اللحياني الزاهد على كره منه لذلك، فجمع أبو عبد الله محمد المخلوع أصحابه، في يوم خلعه، وشد على عميه فقهرهما وقتلهما، واستقر في ملكه، وتلقب وخطب لنفسه بالمستنصر بالله، أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد ابن الأمراء الراشدين.

وفي أيامه، في سنة ثمان وستين وستمائة، وصل الفرنسيس إلى إفريقية بجموع الفرنج، وأشرفت إفريقية على الذهاب، فقصمه الله، ومات الفرنسيس، وتفرقت تلك الجموع. وفي أيامه خافه أخوه أبو إسحاق إبراهيم بن أبي زكريا، فهرب ثم أقام بتلمسان، وبقي المستنصر المذكور كذلك حتى توفي ليلة حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وسبعين وستمائة.

فملك ابنه يحيى بن محمد بن أبي زكريا، وتلقب بالواثق بالله أمير المؤمنين، وكان ضعيف الرأي، فتحرك عليه عمه أبو إسحاق إبراهيم الذي هرب وأقام بتلمسان، وغلب على الواثق، فخلع نفسه، واستقر أبو إسحاق إبراهيم في المملكة في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة، وخطب لنفسه بالأمير المجاهد، وترك زي الحفصيين وأقام على زي زناتة، وعكف على الشرب، وفرق المملكة على أولاده، فوثبت أولاده على الواثق المخلوع وذبحوه، وذبحوا معه ولديه الفضل والطيب، ابن يحيى الواثق المذكور، وسلم للواثق ابن صغير تلقب أبا عصيدة، لأنهم يصنعون للنفساء عصيدة، فيها أدوية، ويهدى، منها للجيران، وعلمت أم الصبي ذلك، فلقب ولدها بأبي عصيدة، ثم ظهر إنسان ادعى أنه الفضل بن الواثق الذي ذبح مع ابنه، واجتمعت عليه الناس، وقصد أبا إسحاق إبراهيم وقهره، فهرب أبو إسحاق إلى بجاية، وبها ابنه أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم، فترك أبو فارس أباه ببجاية وسار بأخويه وجمعه إلى الداعي بتونس، والتقى الجمعان، فانهزم عسكر بجاية، وقتل أبو فارس وثلاثة من إخوته وأنجاله، أخ اسمه يحيى بن إبراهيم، وعمه أبو حفص عمر بن أبي زكريا.

ولما هزم الداعي عسكر

<<  <  ج: ص:  >  >>