الدين محمد بن عبد الكريم، أخو الصاحب شرف الدين يعقوب ناظر الجيوش المنصورة بحلب، فما هنئ بذلك، واعترته الأمراض حتى مات، رحمه الله في سابع جمادى الآخرة من السنة المذكورة، قلت:
ما الدهر إلا عجب فاعتبر ... أسرار تصريفاته واعجب
كم باذل في منصب ماله ... مات وما هنيء بالمنصب
وباشر مكانه في شعبان منها، القاضي جمال الدين سليمان بن ريان.
وفيه في رمضان المعظم، وصل إلى حلب من مصر عسكر حسن الهيئة، قدمه الحاج أرقطاي، وعسكر من دمشق مقدمهم قطلبغا الفخري، وعسكر من طرابلس مقدمه بهادر عبد الله، وعسكر من حماة مقدمه الأمير صارم الدين أزبك، المقدم على الكل ملك الأمراء بحلب علاء الدين الطنبغا، ورحل بهم إلى بلاد الأرمن في ثاني شوال منها، ونزل على ميناء إياس، وحاصرها ثلاثة أيام، ثم قدم سول الأرمن من دمشق ومعه كتاب نائب الشام بالكف عنهم، على أن يسلموا البلاد والقلاع التي شرقي نهر جهان، فتسلموا منهم ذلك، وهو ملك كبير، وبلاد كثيرة، كالمصيصة، وكويرا، والهارونية، وسرفندكار، وآياس، وباناس، وبخيمة، والنقبر التي قدم ذكر تخريبها، وغير ذلك. فخرب المسلمون برج آياس الذي في البحر، استنابوا بالبلاد المذكورة نواباً، وعادوا في ذي الحجة منها والحمد لله.
قلت: وهذا فتح اشتمل على فتوح، وترك ملك الأرمن جسداً بلا روح، خائفاً على ما بقي بيده على الإطلاق، وكيف لا؛ ومن خصائص ديننا سرابة الأعناق، فيا له فتحاً كسر صلب الصليب، وقطع يد الزنار، وحكم على كبير أنامهم المزمل في بجاده، بالخفض على الجوار، والله أعلم.
وفيها في ذي الحجة، توفي الأمير العابد الزاهد صارم الدين أزبك المنصور الحموي، بمنزلة نزلها مع العسكر عند آياس، وحمل إلى حماة فدفن بتربته، كان من المعمرين في الإمارة، ومن ذوي العبادة، والمعروف، وبنى خاناً للسبيل بمعرة النعمان، شرقيها، وعمل عنده مسجداً وسبيلاً للماء، وله غير ذلك رحمه الله، ذكر لي جماعة بحلب، وهو مسافر إلى بلاد الأرمن، أنه رؤي له بحماة منام يدل على موته في الجهاد، وحمله إلى حماة وحوله الملائكة.
قلت: ولقد تجمل لهذا الجهاد، وتحمل وتكلف لمهمة، وتكفل حتى كأنه توهم فترة سلاحه عن الكفاح، فرسم أن تحد السيوف، وتعتقل الرماح، فلاح على حركاته الفلاح وسيحمد سراه عند الصباح، والله أعلم.
وفيها وقف الأمير الفاضل صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار، داره النفيسة بحلب المعروفة أولاً بدار ابن العديم، مدرسة على المذاهب الأربعة، وشرط أن يكون القاضي الشافعي والقاضي الحنفي بحلب مدريسها، وذلك عند عوده من بلد سيس صحبة العسكر، منصرفاً إلى منزله بطرابلس.