المذكورة باكية لعدم بني العديم، فصارت راضية بالحديث عن القديم، نزع الله عنها لباس البأس والحزن، وعوضها بحلة يوسف عن شقة الكفن، فكمل رخامها وذهبها، وجعل ثمال اليتامى عصمة للأرامل مكتبها، وكملها بالفروع الموصلة، والأصول المفرعة، وجملها بالمرابع المذهبة، والمذاهب الأربعة، وبالجملة فقد كتبها صلاح الدنيا في صلاح الدين إلى يوم العرض، وتلا لسان حسنها اليوسفي، وكذلك مكنا ليوسف في الأرض، ولما وقف الأمير صلاح الدين المذكور على هذه الترجمة، تهلل وجهه وقال ما معناه يا ليتك زدتنا من هذا.
وفيها توفي الشيخ الكبير الشهير المتزهد، محمد بن عبد الله بن المجد المرشدي بقريته من عمل مصر، له أحوال وطعام يتجاوز الوصف، ويقال إنه كان مخدوماً قيل إنه أنفق في ثلاث ليال، ما يساوي خمسة وعشرين ألفاً، رحمه الله تعالى ونفعنا به.
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
فيها في المحرم، توفي ناصر الدين محمد بن مجد الدين محمد بن قرناص، دخل بلاد سيس لكشف الفتوحات الجهائية، فتوفي هناك رحمه الله تعالى، ودفن بتربة هناك للمسلمين.
وفيها في صفر، توفي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي، ناظر الوقف بحلب، وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالجامع بحلب، شرقي المحراب الكبير، لأنه سمع أن بالمكان المذكور رأس زكريا النبي، صلى الله على نبينا وعليه وسلم، فارتاب في ذلك، فأقدم على فتح الباب المذكور بعد أن نهى عن ذلك، فوجد باباً عليه تأزير رخام أبيض، ووجد في ذلك تابوت رخام أبيض، فوقه رخامة بيضاء مربعة، فرقعت الرخامة عن التابوت، فإذا فيها بعض جمجمة، فهرب الحاضرون هيبة لها، ثم رد التابوت وعليه غطاؤه إلى موضعه، وسد عليه الباب، ووضعت خزانة المصحف العزيز على الباب، وما أنجح الناظر المذكور بعد هذه الحركة، وابتلي بالصرع، إلى أن عض لسانه فقطعه ومات. نسأل الله أن يلهمنا حسن الأدب.
وفيها في أواخر ربيع الأول، قدم إلى حلب العلامة القاضي فخر الدين محمد بن علي المصري الشافعي، المعروف بابن كاتب قطلوبك، واحتفل به الحلبيون، وحصل لنا في البحث معه فوائد. منها قولهم إذا طلب الشافعي من القاضي الحنفي شفعة الجار، لم يمنع على الصحيح، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
قال: وهذا مشكل. فإن حكم الحاكم ينفذ ظاهراً، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم، فإنما أقطع له قطعة من نار، وأما كون القاضي لا ينقض هذا الحكم، فتلك سياسة حكيمة.
ومنها قولهم: يقضي الشافعي الصلاة إذا اقتدى بالحنفي، علم أنه ترك واجباً كالبسملة، يعني على صحيح، ولا يقضي المقتدي بحنفي افتصد، ولم يتوضأ.
قال: وهذا مشكل، فإن الحنفي إذا اقتصد ولم يتوضأ وصلى، فهو متلاعب على اعتقاده، فينبغي أن يقضي الشافعي المقتدى به، وإذا ترك البسملة، فصلاته صحيحة. عنده، فينبغي أن لا يقضي الشافعي المقتدى به، وفيه نظر.