وتولى تدريس الشامية البرانية مكانه، القاضي جمال الدين يوسف بن جملة، فمات ابن جملة. قيل إنه ما ألقى فيها إلا درساً أو درسين، لاشتغاله بالمرض. ووليها بعده القاضي شمس الدين محمد بان النقيب، بعد أن نزل عن العادلية.
وفيها في ثالث شوال، ورد الخبر بوفاة العلامة شيخ الإسلام زين الدين محمد ابن الكناني، علم الشافعية بمصر، وصلي عليه بحلب صلاة الغائب، كان مقدماً في الفقه والأصول، معظماً في المحافل، متضلعاً من المنقول، ولولا انجذابه عن علماء عصره، وتبهه على فضلاء دهره، لبكى على فقده أعلامهم، وكسرت له محابرهم وأقلامهم، ولكن طول لسانه عليهم هون فقده لديهم. قلت:
فجعت بكتبانها مصر ... فمثله لا يسمح الدهر
يا زين مذهبه كفى أسفاً ... إن الصدور بموتك انسروا
ما كان من بأس لو أنك بال ... علماء برأيها البحر
وفيها في شوال أيضاً، رسم ملك الأمراء بحلب، الطنبغا، بتوسيع الطرق التي في الأسواق، اقتداء بنائب الشام تنكز، فيما فعله في أسواق دمشق، كما مر، ولعمري قد توقعت عزله عن حلب لما فعل ذلك؛ فقلت حينئذ:
رأى حلبا بلداً داثراً ... فزاد لإصلاحها حرصه
وقاد الجيوش لفتح البلاد ... ودق لقهر العدا فحصه
وما بعد هذا سوى عزله ... إذا أتم أمر بدا نقصه
وفيها في عاشر شوال، ورد الخبر بوفاة الفاضل المفتي الشيخ بدر الدين محمد ابن قاضي بارين الشافعي بحماة، كان عارفاً بالحاوي الصغير، ويعرف نحواً وأصولاً، وعنده ديانة وتقشف، وبيني وبينه صحبة قديمة، في الاشتغال على شيخنا قاضي القضاة شرف الدين ابن البارزي، وسافر مرة إلى اليمن، رحمه الله ونفعنا ببركته قلت:
فجعت حماة ببدرها بل صدرها ... بل بحرها بل حبرها الغواص
الله أكبر كيف حال مدينة ... مات المطيع بها ويبقى العاصي
وفيه ولي قضاء الحنفية بحماة، جمال الدين عبد الله بن القاضي نجم الدين عمر بن العديم، وكان شاباً أمرد. بعد عزل القاضي تقي الدين بن الحكيم، فإن صاحب حماة، آثر أن لا ينقطع هذا الأمر من هذا البيت بحماة، لما حصل لأهل حماة من التأسف على والده القاضي نجم الدين وفضائله وعفته وحسن سيرته، رحمه الله تعالى، وجهز قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم، صاحبنا شهاب الدين أحمد بن المهاجر إلى حماة، نائباً عن القاضي جمال الدين المذكور إلى حين يستقل بالأحكام، وخلع صاحب حماة عليهما في يوم واحد.
وفيه ورد الخبر أن الأمير سيف الدين أبا بكر