مات غريباً خائفاً نازحاً ... عن أنس أهليه وأوطانه
وبعض هذي فيه ما يرتجى ... له به رحمة ديّانه
فقل لشانيه ترفق ففي ... شانك ما يغنيك عن شانه
ورأيت مكتوباً بخطه هذه الكلمات، وكنت سمعتها من لفظه قبل ذلك، وهي: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، فمن جعل السبب موجباً فقد أخطأ، ومن محاه ولم يجعل له أثراً فقد أخطأ، ومن جعل السبب سبباً والمسبب هو الفاعل فقد أصاب. ومولده رحمه الله بمصر في العشر الأواخر من شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وستين وستمائة.
وفيها في العشر الأوسط من ربيع الآخر، توفي السيد الشريف بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني، نقيب الأشراف، وكيل بيت المال بحلب، ومن الاتفاق أنه مات يوم ورود الخبر بعزل ملك الأمراء علاء الدين الطنبغا عن نيابة حلب، وكان بينهما شحناء في الباطن. قلت:
قد كان كل منهما ... يرجو شفا أضغانه
فصاركل واحد ... مشتغلاً بشانه
كان السيد، رحمه الله، حسن الشكل، وافر النعمة، معظماً عند الناس، شهماً ذكياً. وجده الشريف أبو إبراهيم، هو ممدوح أبي العلاء المعري، كتب إلى أبي العلاء القصيدة التي أولها:
غير مستحسن وصال الغواني ... بعد ستين حجة وثمان
ومنها:
كل علم مفرق في البرايا ... جمعته معرة النعمان
فأجابه أبو العلاء بالقصيدة التي أولها:
عللاني فإن بيض الأماني ... فنيت والظلام ليس يفاني
أو منها:
يا أبا إبراهيم قصر عنك ال ... شعر لما وصفت بالقرآن
وفيها في العشر الأول من جمادى الأولى، قدم الأمير سيف الدين طرغاي إلى حلب نائباً بها، وسر الناس بقدومه، وأظهروا الزينة، وصحبته القاضي شهاب الدين أحمد بن القطب، كاتب السر، مكان تاج الدين ابن الزين خضر، المتوجه إلى مصر صحبة الأمير علاء الدين الطنبغا، وكان رنك المنفصل جوكانين، ورنك المتصل خونجا، فقال بعض الناس في ذلك:
كم أتى الدهر بطرد ... وبعكس وببدع
راح عنا رنك ضرب ... وأتانا رنك بلع
وفيها في السابع والعشرين من جمادى الأولى، ورد الخبر إلى حلب بوفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني، قاضي دمشق، بها كان رحمه الله إمام