في علم المعاني والبيان له فيه مصنفات جامعة متقنة، وله يد في الأصولين، ويحل الحاوي، وكان كبير القدر، واسع الصدر، ولي أولاً خطابة دمشق، ثم قضاءها، ثم قضاء مصر، ثم قضاء دمشق حتى مات بها، سامحه الله تعالى.
وبلغني أن بينه وبين الإمام الرافعي قرابة، وقرب العهد بسيرته يغني عن الإطالة، وبنى على النيل دارا قيل بما يزيد على ألف الف درهم، فأخذت منه، ثم أخرج إلى دمشق قاضياً كما تقدم.
وفيها في جمادى الآخرة، ورد الخبر إلى حلب بوفاة الشيخ بدر الدين أبي اليسر محمد ابن القاضي عز الدين محمد ابن الصائغ الدمشقي بها، كان نفعنا الله به، عالماً فاضلاً متقللاً من الدنيا، زاهداً، جاءته الخلعة والتقليد بقضاء دمشق، امتنع أتم امتناع، واستعفى بصدق إلى أن أعفي، فمن يومئذ حسن ظن الناس به، وفطن أهل القلم وأهل السيف لجلالة قدره. قلت:
ما قضاء الشام إلا شرف ... ولمن يتركه أعلى شرف
يا أبا اليسر لقد أذكرنا ... فعلك المشكور أفعال السلف
وفيه ورد الخبر أن الأمير علاء الدين الطنبغا وصل من مصر إلى غزة نائباً بها، سبحان من يرفع ويضع الإله الخالق والآمر.
جرت بينه وبين نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز شحناء، اقتضت نقلته من حلب، وتوليته بعدها غزة، فإن نائب الشام متمكن عند السلطان رفيع المنزلة.
وفيها في أوائل رجب، توفي بمعرة النعمان ابن شيخنا العابد إبراهيم بن عيسى بن عبد السلام، كان من عباد الأمة، ويعرف الشاطبية والقراءات، وله يد طولى في التفسير، وزهادته مشهورة، كان أولاً يحترف بالنساجة، ثم تركها وأقبل على العبادة والصيام والقيام، ونسخ كتب الرقائق وغيرها، فأكثر ووقف كتبه على زوايا وأماكن، وهو من أصحاب الشيخ القدوة مهنا الفوعي، نفعنا الله ببركتهما، وكان داعياً إلى السنة بتلك البلاد، وتوفي بعده بأيام، الشرف حسين بن داود بن يعقوب الفوعي، بالفوعة، وكان داعياً إلى التشيع بتلك البلاد. قلت:
وقام لنصر مذهبه عظيماً ... وحدد ظفره وأطال نابه
تبارك من أراح الدين منه ... وخلص منه أعراض الصحابه
وفيه ورد الخبر بوفاة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله، المعروف بابن المهاجر الحنفي بحماة، نائباً عن قاضيها جمال الدين عبد الله بن العديم، حسبما تقدم ذكره، كان فاضلاً في النحو والعروض، وله نظم حسن، ولهج في آخر وقته بمدائح الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفيه ورد الخبر إلى حلب أن الشيخ تقي الدين علي بن السبكي تولى قضاء القضاة الشافعية بدمشق المحروسة، بعد أن حدث لخطيب بدر الدين محمد ابن القاضي جلال الدين نفسه بذلك، وجزم به، وقبل الهناء، فقال فيه بعض أهل دمشق: