للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد سبك السبكي قلب الخطيب ... فعيشه من بعدها ما يطيب

وفيه طلب القاضي جمال الدين سليمان بن ريان على البريد، من حلب إلى دمشق، لمباشرة نظر الجيوش بالشام واستمر بدمشق إلى أن نكب تنكز، كما سيأتي، فعزل بالتاج إسحاق، ثم حضر إلى حلب وأقام بداره بالمقام وفيها في شعبان، قدم الأمير الفاضل صلاح الدين يوسف الدواتدار، شاداً بالمملكة الحلبية.

وفيها في رمضان، ورد الخبر أن الأمير سيف الدين أبا بكر البانيري، باشر النيابة بقلعة الرحبة، وهو الذي كان تولى تجديد عمارة جعبر كما تقدم، فقال فيه بعض الناس:

يا باذلاً في جعبر جهده ... ما خيب السلطان مسعاكا

عوضك الرحبة عن ضيق ما ... قاسيت قد أفرحنا ذاكا

فضاجع البق وناموسها ... ولولا ضجيعاك لزرناكا

وفيه شرع نائب الشام تنكز في الرجوع من متصيده بالمملكة الحلبية، وكان قد حضر إليها من شعبان، ومعه صاحب حماة الملك الأفضل، وحريم وحظايا وحشم وحمام، ولحق الفلاحين والرعية بذلك كلفة وضرر كبير، واجتمع نائب الشام وصاحب حماة على إعادة بذر الدين محمد بن علي، المعروف بابن الحمص، رامي البندق المشهور إلى منزلته من الرماية، بعد أن كان قد أسقط على عادتهم، وأسقطوا من كان أسقطه، واجتمعت أنا بابن الحمص المذكور بحلب، مسألته أن يريني شيئاً من حذقة في البندق، فرمى إلى حائط، فكتب عليه بالبندق ما صورته، محمد بن علي، بخط جيد، ثم أمر غلامه، فصار الغلام يرمي بندقاً إلى الجو، وهو يتلقاه، فيصيبه في سرعة على التوالي، فجاء من ذلك بالعجب العجيب.

وفيه نادى مناد في جامع حلب وأسواقها، وقدامه شاد الوقف، بدر الدين بتليك الأسندمري، من أمراء العشرات، بما صورته " معاشر الفقهاء والمدرسين والمؤذنين، وأرباب وظائف الدين، قد برز المرسوم العالي إن كل من انقطع منكم عن وظيفته، وغمز عليه، يستأهل ما يجرى عليه، فانكسرت لذلك قلوب الخاص والعام، وعظم به تألم الأنام، وطهر مشد الوقف المذكور عن بغض وعناد، لأهل العلم والذين، فوقع منه يوم عيد الفطر كلمة قبيحة، أقامت عليه الناس أجمعين، وعقد له بدار العدل يوم العيد مجلس مشهود، وأفتينا بتجديد إسلامه، وعزله، وضربه، وهو ممدود. ونودي عليه في الملأ جزاء وفاقاً، وقطعنا أن لحوم العلماء مسمومة اتفاقاً، ولولا شفاعة الشافعي فيه، لدخل نار مالك بما خرج من فيه، ولو كان براً لما خاض هذا البحر، ولجمع قلبه ومذبحه بين الفطر والنحر، وبالجملة فقد ذاق مرارة القهر والقسر، فإن نداءه الذي انكسر به القلب انقلب به الكسر ".

وفيها في تاسع شوال، وصل إلى حلب قاضي القضاة زين الدين عمر بن شرف الدين محمد بن البلقيائي المصري الشافعي، وباشر الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>