من يومه، وخرج النائب والأكابر لتلقيه، وسر به الناس لما سمعوا من ديانته، بعد شغور المنصب نحو عشرة أشهر من حاكم شافعي.
وفيها حج الأمير سيف الدين بشتك الناصري من مصر، وأنفق في الحج أموالاً عظيمة، وكان صحبته على ما بلغنا، ستمائة راوية، تكلم الناس في القبض عليه عند عوده بمدينة الكرك، فما أمكن ذلك، ودخل مصر وصعد القلعة، فتلقاه السلطان بالحسنى.
ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة.
فيها في المحرم، ورد الخبر بوفاة الشيخ علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي، المحدث الدمشقي، بخليص، مريداً للحج، رحمه الله تعالى، كان حسن الأخلاق، كثير الموافاة للناس، محبوباً إليهم، وله تصانيف في الحديث والتاريخ، والشروط، وكان حسن الأداء، كثير البكاء. في حال قراءة الحديث، فصيحاً، رحمه الله تعالى.
وفيها في المحرم، بلغنا شنق ابن المؤيد شرف الدين أبي بكر الواعظ المحتسب، نائب الوكالة باللاذقية، خافوا بطرابلس من طول لسانه، واتصاله بأعيان المصريين، وقامت عليه بينة بألفاظ تقتضي انحلال العقيدة، فحملوا عبد العزيز المالكي قاضي القدموس على الحكم بقتله، وشارك في واقعته القاضي جلال الدين عبد الحق المالكي، قاضي اللاذقية، فتعب القاضيان بجريرته وقاسيا شدائد.
وفيها في صفر، وردت البشارة بقبض الملك الناصر على النشو شرف الدين، القبطي الأصل، وأنه وأخاه رزق الله تحت العقوبة، ثم قتل أخوه نفسه، وأوقدت لهلاكهما الشموع بالقاهرة، كان النشو قد قهر أهل القاهرة، وبالغ في الطرح والمصادرة، فعظمت به المصيبة، وقتل خلقاً تحت العقوبة، فأتى الناس في هلاكه بيوت المسألة من أبوابها، وبنت الأوتاد نظم الدعوات على أسبابها، وطلبوا لبحر ظلمه المديد من الله خبناً وبتراً، فدارت الدوائر عليه بهذه الفاصلة الكبرى. قلت:
النشو لا عدل ولا معرفه ... قد آن للأقدار أن تصرفه
من أتلف الناس وأموالهم ... يحق للسلطان أن يتلفه
وفيه قدم الأمير المكاس الغشوم - لؤلؤ القندشي - إلى حلب، منفياً من مصر بلا إقطاع. وفيه عزل قاضي القضاة بحلب زين الدين عمر البلفيائي عنها، لوحشة جرت بينه وبين طرغاي نائب حلب، فكاتب فيه فعزل، وهو فقيه كبير مقتصد في المأكل والملبس. قلت:
كان والله عفيفاً نزهاً ... وله عرض عريض ما اتهم
وهو لا يدري مداراة الورى ... ومداراة الهوى أمر مهم
وفيها في ربيع الأول، غزل الأمير صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار، عن الشد على المال، والوقف بحلب، ونقل إلى طرابلس، فضاق طرغاي من جبرته، فعمل عليه، وكان قد عزم على تحرير الأوقاف بحلب، فما قدر قلت: