لقد قالت لنا حلب مقالاً ... وقد عزم المشد على الرواح
إذا عم الفساد جميع وقفي ... فكيف أكون قابلة الصلاح
وفيها في جمادى الآخرة ولي القاضي برهان الدين إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الرسعني قضاء الشافعية بحلب، بذل لطرغاي نائبها مالاً، فكاتب في ولايته، وهو أول من بذل في زماننا على القضاء بحلب، وكان القضاة قبله يخطبون ويعطون من بيت المال، حتى بلوا، ولذلك لم يصادف راحة في ولايته، ويعجبني قول القائل:
فلان لا تحزن إذا ... نكبت واعرف ما السبب
فما تولى حاكم ... بفضة إلا ذهب
وفيها توفي طقتمر الخازن نائب قلعة حلب، كانت تصدر منه في الدين ألفاظ منكرة، واشترى قبل وفاته داراً عند مدرسة الشاذبخت، وعمل فيها تصاوير، وكثر الطعن عليه بسببها. قلت:
ما حل فيها زحل ... إلا لنحس المشتري
فانعدمت صورته ... من شؤم تلك الصور
وخلف مالاً طائلاً.
وفيها في شعبان، توفي الخليفة أبو الربيع سليمان المستكفي بالله، في قوص، وقد أخرج إلى الصعيد سنة ثمان وثلاثين، وخلافته تسع وثلاثون سنة؛ ولله قولي على لسانه: مثلي يعيش بالموت، ويبلغ المنى بالفوت، إلى كم لهم العيشة الرطبة، ولي مجرد الخطبة، فلهم الملك الصريح، ولسليمان الريح:
أحمد الله الذي جنبني ... كلف الملك وأمراً صعباً
لم أجد للملك ماء صافياً ... فتيممت صعيداً طيباً
وفيها بعد موت المستكفي، بويع بالخلافة أبو إسحاق إبراهيم ابن أخي المستكفي. وفيها كان الحريق بدمشق، وذهبت فيه أموال ونفوس، واحترقت المنارة الشرقية، والدهشة، وقيسارية القواسين، وتكرر، وأفرت طائفة من النصارى بدمشق بفعله، فصلب تنكز منهم أحد عشر رجلاً، ثم وسطوا بعد أن أخذ منهم ألف ألف درهم، وأسلم ناس منهم، وبيعت بنت الملين بمال كثير، فاشتراها تنكز، وعملت المقامة الدمشقية في هذا المعنى، وسميتها صفو الرحيق، في وصف الحريق. وختمتها بقولي:
وعادت دمشق فوق ما كان حسنها ... وأمست عروساً في جمال مجدد
وقالت لأهل الكفر موتوا بغيظكم ... فما أنا إلا للنبي محمد
ولا تذكروا عندي معابد دينكم ... فما قصبات السبق إلا لمعبد
وفيها في ذي الحجة، باشر القاضي ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب،