كتابة السر بحلب، وسررنا به.
وفيه قبض على تنكز نائب للشام، وأهلك بمصر.
رسم السلطان لطشتمر حمص أخضر، وكان نائباً بصفد، أن يأتيه من حيث لا يحتسب، ويقبض عليه، ما أشبه تمكنه عند السلطان الملك الناصر إلا بجعفر عند الرشيد، والرشيد أضمر إهلاك جعفر ست سنين حتى قتله، والملك الناصر أضمر إهلاك تنكز عشر سنين وهو يخوله ويعظمه وينعم عليه، وفي قلبه له ما فيه، حتى قبض عليه، وكان تنكز عظيم السطوة، شديد الغضب، قتل خلقاً منهم: عماد الدين إسماعيل بن مزروع الغوعي، نائب فحليس بدمشق، وعلي بن مقلد حاجب العرب، والأمير حمزة رماه بالبندق، ثم أهلكه سراً، وغيرهم. وله بدمشق والقدس وغيرهما آثار حسنة، وأوقاف، وقتل أكثر الكلاب بدمشق، ثم حبس الباقي، وحال بين إناثها وذكورها، ولما استوحش من السلطان، عزم على نكثه من جهة التتر، وأخذ السلطان من أمواله ما يفرق الحصر، زعم بعضهم أنه يقارب مال قارون، وكان قبل ذلك قد تبرم من نقيق الضفادع، فأخرجها من الماء، فقال بعض الناس فيه:
تنكر تنكز بدمشق تيهاً ... وذلك قد يدل على الذهاب
وقالوا للضفادع ألف بشرى ... بميتته فقلت وللكلاب
وتولى دمشق بعده الطنبغا، الحاجب الصالحي، كان تنكز قد سعى عليه حتى نقل من نيابة حلب إلى نيابة غزة، فأورثه الله أرضه ودياره.
وفيها بعد حادثة تنكز، عوقب أمين الملك، عبد الله الصاحب بدمشق، واستصفي ماله، ومات تحت العقوبة، قبطي الأصل، وكان فيه خير وشر، ووزر بمصر ثلاث مرات، وفيه يقول صاحبنا الشيخ جمال الدين ابن نباتة المصري:
لله كم حال امرئ مقتر ... قصيت في القدس بتنفيسه
كم درهم ولى ولكنه ... قد أخذ الأجر على كيسه
وقال فيه أيضاً:
روت عنك أخبار المعالي محاسن ... كفت بلسان الحال عن السن الحمد
فوجهك عن بشر وكفك عن عطا ... وخلقك عن سهل ورأيك عن سعد
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.
فيها في المحرم، وسط بدمشق - طغية وجنغية - من أصحاب تنكز، وكانا ظالمين.
وفيها غزل طرغاي عن حلب، وكان على طمعه يصلي ويتلو كثيراً.
وفيها توفي الشيخ محمد بن أحمد بن تمام، زاهد الوقت بدمشق.
وتوفي الملك الوك ابن الملك الناصر وكان عظيم الشكل.
وفيها ضربت رقبة عثمان الزنديق بدمشق على الإلحاد، والباجر بقية، سمع منه من الزندقة ما لم يسمع من غيره، لعنه الله.
وتوفي الأمير صلاح الدين يوسف ابن الملك الأوحد، وكان من أكابر أمراء دمشق، ومن