بقايا أجواد بني شيركوه، وكان تنكز على شممة بدمشق ينزل إلى صيافته كل سنة، فينفق على ضيافة تنكز نحو ستين ألف درهم.
وفيها توفي السلطان الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، رحمه الله تعالى، وله ستون سنة، بعد أن خطب له ببغداد والعراق وديار بكر والموصل والروم، وضرب الدينار والدرهم هناك باسمه، كما يضرب له بالشام ومصر، وحج مرات، وحصل لقلوب الناس بوفاته ألم عظيم، فإنه أبطل مكوساً، وكان يستحيي أن يخيب قاصديه، وأيامه أيام أمن وسكينة، وبنى جوامع وغيرها، لولا تسليط لؤلؤ والنشر على الناس في آخر وقته، وعهد لولده السلطان الملك المنصور أبي بكر، فجلس على الكرسي قبل موت والده، وضربت له البشائر في البلاد. ولي من تهنئة وتعزية في ذلك:
ما أساء الدهر حتى أحسنا ... رق فاستدرك حزناً بهنا
بينما البأساء عمت من هنا ... وإذا النعماء عمت من هنا
فبحق أن يسمى محزناً ... وبصدق حين يدعى محسنا
فلئن أوحشنا بدر السما ... فلقد آنسنا شمس السنا
علماً أبدله من علم ... ظاهر الإعراب مرفوع البنا
فجزى الله بخير من نأى ... ووقى من كل ضبر من دنا
أجل والله، لقد أساء الدهر وأحسن، وأهزل وأسمن، وأحزن وسر، وعق وبر، إذ أصبح الملك وباغه بفقد الناصر قاصراً قد ضعفت أركانه، ومات سلطانه، فماله من قوة ولا ناصر، فأمسى بحمد الله وقد ملأ القصور بالمنصور سروراً، وأطاعه الدهر وأهله، فلا يسرف في القتل، إنه كان منصوراً.
وفيها ورد إلى حلب زائراً صاحبنا التاج اليماني عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله النحوي اللغوي، الكاتب العروضي، الشاعر المنشئ، وجرت معه بحوث، منها مسألة نفسية، وهي: ما لو قال له: عندي اثنا عشر درهماً وسدساً، كم يلزمه؟ فاستبهمت هذه المسألة على الجماعة، فيسر الله لي حلها فقلت: يلزمه سبعة دراهم، إذ المعنى اثنا عشر دراهم وأسداساً، فيكون النصف دراهم؛ وهي ستة دراهم، والنصف أسداساً وهي ستة أسداس بدرهم، فهذه سبعة.
ولو قال اثنا عشر درهما وربعاً لزمه سبعة ونصف.
ولو قال اثنا عشر درهما وثلثاً، لزمه ثمانية، أو ونصفا فتسعة، وهكذا. ومما أنشدني لنفسه قوله:
تجنب أن تذم بك الليالي ... وحاول أن يذم لك الزمان
ولا تحفل إذا كملت ذاتاً ... أصبت العز أم حصل الهوان
بخلت لواحظ من أتانا مقبلاً ... بسلامها ورموزهن سلام