وهو بحلب، أن أبا العباس ثعلباً أجاز الضم في المنادى صاف والشبيه به، الصالحين للألف واللام، فاستغرب ذلك وأنكره جداً، ثم طالع كتبه فرآه كما نقلت؛ فاستحيى من إنكار ذلك، مع دعواه كثرة الاطلاع. فقلت:
من بعد يومك هذا ... لا تنقل النقل تغلب
لو أنك ابن خروف ... ما كنت عندي كثعلب
وفيها في ربيع الأول، وصل يلبغا التجباوي إلى حلب نائباً، وهو شاب حسن، كان الملك الناصر يميل إليه، وأعطاه مرة أربعمائة ألف درهم، ومرة مائة فرس مسومة، وغالب مال تنكز، وتولى نيابة حماة مكانه سيف الدين طقزتمر الأحمدي، وعنده عقل وعدل، وعند يلبغا عفاف عن مال الرعية، وسطوة وحسن أخلاق في الخلوة.
وفيه سافر قاضي القضاة بحلب، بدر الدين إبراهيم بن الخشاب إلى مصر، ذاهباً بنفسه عن مساواة القرع، وذلك حين بلغه تطلب القرع بحلب، ولابن الخشاب يد طولى في الأحكام وفن القضاء، متوسط الفقه.
وفيه توفي سليمان بن مهنا أمير العرب، وفرح أهل إقطاعه بوفاته.
والقاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي، كاتب السر وكيل بيت المال بدمشق، توفي بالقدس الشريف، كتب السر بالقاهرة للملك الناصر محمد، أولاً.
وفيه وصل عسكران من حماة وطرابلس، للدخول إلى بلاد سيس. لتمرد صاحبها كند اصطنيل الفرنجي، ولمنعه الحمل، ومقدم عسكر طرابلس، الأمير صلاح الدين يوسف الدواتدار، أنشدني بحلب في سفرته هذين البيتين للإمام الشافعي، قيل إنهما ينفعان لحفظ البصر:
يا ناظري؛ بيعقوب أعيذ كما ... بما استعاذ به إذ خانه البصر
قميص يوسف ألقاه على بصري ... بشير يوسف فاذهب أيها الضرر
فأنشدت بيتين لي، ينفعان إن شاء الله تعالى، لحفظ النفس والدين والأهل والمال، وهما:
أمررت كفا سبحت فيها الحصى ... وروت الركب بماء طاهر
على معاشي ومعادي وعلى ... ذريتي وباطني وظاهري
وفيها في جمادى الأولى، عاد العسكر المجهز إلى بلد سيس، وما ظفروا بطائل، وكانوا قد أشرفوا على أخذ أذنة، وفيها خلق عظيم وأموال عظيمة، وجفال من الأرمن، فتبرطل أقسنقر مقدم عسكر حلب من الأرمن، وثبط الجيش عن فتحها، واحتج بأن السلطان ما رسم بأخذها، وتوفي أقسنقر المذكور بعد مدة يسيرة بحلب مذموماً، وأبى الله أن يتوفاه ببلاد سيس، مغازياً.
وفيها نقلت جثة تنكز من ديار مصر إلى تربته بدمشق، وتلقاها الناس ليلاً بالشمع والمصاحف والبكاء، ورقوا له، ووقع بدمشق عقيب ذلك مطراً، فعدوا