للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك من بركة القدوم بجثته.

وفيها في جمادى الأولى، توفي بدمشق، الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عبد الهادي، كان بحراً زاخراً في العلم.

وفيه قتل الزنديق إبراهيم بن يوسف المقساتي بدمشق، لسبه الصحابة، وقذفه عائشة رضي الله عنهم، ووقوعه في حق جبريل عليه السلام. وفيها في العشرين من شهر وجب، توفي بجبرين الشيخ محمد ابن الشيخ نبهان، كان له القبول التام عند الخاص والعام، وناهيك أن طشتمر حمص أخضر، على قوة نفسه وشمعه، وقف على زاويته بجبرين، وحصة من قرية حريثان، لها مغل جيد، وبالجملة فكأنما ماتت بموته مكارم الأخلاق، وكاد الشام يخلو من المشهورين على الإطلاق: قلت:

وكنت إذا قابلت جبرين زائراً ... يكون لقلبي بالمقابلة الجبر

كأن بني نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر

زرته قبل وفاته، رحمه الله، فحكى لي قال: حضرت عند الشيخ عبس السرجاوي وأنا شاب وهو لا يعرفني، فحين رآني دمعت عينه وقال: مرحباً بشعار نبهان وأنشد:

وما أنت إلا من سليمى لأنني ... أرى شبهاً منها عليك يلوح

وحكى لي مرة أخرى قال أحضرت بالفوعة غسل الشيخ إبراهيم ابن الشيخ لما مات، وقرأنا عنده سورة البقرة وهو يغسل، فلما وصلنا إلى قوله تعالى " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " رفعنا أيدينا للدعاء، فرفع الشيخ إبراهيم يديه معنا للدعاء وهو ميت على المغتسل، ومحاسن الشيخ محمد، وتلقيه للناس، وتواضعه به ومكاشفاته، كثيرة ومشهورة، رحمه الله ورحمنا به آمين.

وفيها في منتصف شعبان، وقعت الزلزلة العظيمة، وخربت بحلب وبلادها أماكن، ولا سيما منبج، فإنها أقلت ساكنها، وأزالت محاسنها، وكذلك قلعة الرواندان، وعملت أنا في ذلك رسالة، أولها نعوذ بالله من شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها، ونستعينه في طيب الإقامة بها، وحسن الرحلة عنها، نعم نستعيذ بالله ونستعين من سم هذه السنة، فهي أم أربعة وأربعين، وختمتها بقولي:

منبج أهلها حكوا دود قز ... عندهم تجعل البيوت قبورا

رب نعمهم فقد ألفوا من ... شجر التوت جنة وحريرا

والله أعلم، وصارت الزلازل تعاود حلب وغيرها سنة وبعض أخرى، وفي الحديث أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة.

وفيها توفي طرغاي نائب طرابلس. وفيها بلغنا أن أرتنا صاحب الروم، سليمان خان، ملك التتر، قصده بالتتر إلى الروم، فانكسر كسرة شنيعة، ثم إن الشيخ حسن بن تمرتاش بن جوبان قتل، وهذا من سعادة الإسلام، فان المذكور كان فاسد النية، لكون الملك الناصر محمد قتل أباه وأخذ ماله كما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>