بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان، مالكي وحنبلي أنشد قول الحريري في الملحة:
ثم كلا النوعين جاء فضله ... منكراً بعد تمام الجملة
وفيها في جمادى الأولى، هرب يلبغا من دمشق بأمواله وذخائره التي تكاد تفوت الحصر، خشية من القبض عليه، وقصد البر؛ فخانه الدليل وخذله أصحابه، تناوبته العربان من كل جانب، وألزمه أصحابه قهراً بقصد حماة، ملقياً للسلاح، فلقيه نائب حمص مستشعراً منه، أدخله حماة، ثم حضر من تسلمه من جهة السلطان، وساروا به إلى جهة مصر، فقتلوه بقاقون ودفن بها، وهذا من لطف الله بالإسلام، فإنه لو دخل بلاد التتار أتعب الناس، ورسم السلطان بإكمال جامعه الذي أنشأه بدمشق، وأطلق له ما وقفه عليه، وهو جامع حسن بوقف كثير، وكان يلبغا خيراً للناس من حاشيته بكثير، وكان عفيفاً عن أموال الرعية، وما علمنا أن أحداً من الترك ببلادنا حصل له ما حصل ليلبغا، جمع شمله بأبيه وأمه وإخوته، وكل منهم أمير، إلى أن قضى نحبه، رحمه الله تعالى. وفيها في جمادى الآخرة نقل أرغون شاه من نيابة حلب إلى نيابة دمشق، فسافر عاشر الشهر وبلغنا أنه وسّط في طريقه مسلمين، وهذا أرغون شاه في غاية السطوة، مقدم على سفك الدم بلا تثبت، قتل بحلب خلقاً ووسط وسمر وقطع بدوياً سبع قطع، بمجرد الظن بحضرته.
وغضب على فرس له قيمة كثيرة، مرح بالعلافة، فضربه حتى سقط، ثم قام فضربه حتى سقط، وهكذا مرات، حتى عجز عن القيام، فبكى الحاضرون على هذا الفرس فقيل فيه:
عقلت طرفك حتى ... أظهرت للناس عقلك
لا كان دهر يولي ... على بني الناس مثلك
وفيه اقتتل سيف بن فضل أمير العرب وأتباعه، أحمد وفياض. في جمع عظيم قرب سلمية، فانكسر سيف ونهبت جماله وماله، ونجا بعد اللتيا والتي في عشرين فارساً، وجرى على بلد المعرة وحماة وغيرهما في هذه السنة، بل في هذا الشهر، من العرب، أصحاب سيف وأحمد وفياض من النهب وقطع الطرق، ورعي الكروم، والزروع، والقطن، والمقاتي، ما لا يوصف.
وفيه انكسر الملك الأستر بن تمرتاش ببلاد الشرق كسرة شنيعة، ثم شربوا من نهر مسموم فمات أكثرهم، ومزقهم الله كل ممزق، وكان هذا المذكور رديء النية، فذاق وبال أمره.
وفيها في أواخرها، وصل إلى حلب نائباً فخر الدين أياز نقل إليها من صفد.
وفيها في رمضان، قتل السلطان الملك المظفر أمير حاج ابن الملك الناصر بن قلاوون بمصر، وأقيم مكانه أخوه السلطان الملك الناصر حسن، كان الملك المظفر قد أعدم أخاه الأشرف كجك، وفتك بالأمراء، وقتل من أعيانهم نحو أربعين أميراً، مثل بيدمر البدري نائب حلب، ويلبغا نائب الشام، وطقتمر النجمي الدواتدار، وأقسنقر