للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحلب، منقطعاً تاركاً للخدم، ملازماً للتلاوة.

وفيها بلغنا أن أرغون شاه، وسط بدمشق كثيراً من الكلاب.

وفيها توفي الأمير أحمد بن مهنا أمير العرب، وفتّ ذلك في أعضاد آل مهنا، وتوجه أخوه فياض الغشوم القاطع للطرق، الظالم للرعية إلى مصر، ليتولى الإمارة على العرب، مكان أخيه أحمد، فأجيب إلى ذلك، فشكا عليه رجل شريف، أنه قطع عليه الطريق، وأخذ ماله، وتعرض إلى حريمه، فرسم السلطان بإنصافه منه، فأغلظ فياض في القول طمعاً بصغر سن السلطان، فقبضوا عليه قبضاً شنيعاً.

وفيها في سلخ شوال، توفي قاضي القضاة نور الدين محمد بن الصائغ بحلب، وكان صالحاً عفيفاً ديناً، لم يكسر قلب أحد، ولكنه لخيريته طمع قضاة السوء في المناصب، وصار المناحيس يطلعون إلى مصر ويتولون القضاء في النواحي بالبذل، وحصل بذلك وهن في الأحكام الشرعية. قلت:

مريد قضا بلدة ... له حلب قاعده

فيطلع في ألفه ... وينزل في واحده

وكان رحمه الله من أكبر أصحاب ابن تيمية، وكان حامل رايته في وقعة الكسروان المشهورة.

وفيها في عاشر ذي القعدة، توفي بحلب صاحبنا الشيخ الصالح زين الدين عبد الرحمن بن هبة الله المعري، المعروف بإمام الزجاجية، من أهل القرآن والفقه والحديث، عزب منقطع عن الناس، كان له بحلب دويرات، وقفهن على بني عمه، وظهر له بعد موته كرامات، منها أنه لما وضع في الجامع ليصلى عليه بعد العصر، ظهر من جنازته نور، شاهده الحاضرون، ولما حمل لم يجد حاملوه عليهم منه ثقلاً، حتى كأنه محمول عنهم، فتعجبوا لذلك، ولما دفن وجلسنا نقرأ عنده سورة الأنعام، شممنا من قبره رائحة طيبة، تغلب رائحة المسك والعنبر، وتكرر ذلك، فتواجد الناس وبكوا، وغلبتهم العبرة، وله محاسن كثيرة رحمه الله، ورحمنا به آمين، ومكاشفاته معروفة عند أصحابه.

وفي العشر الأوسط منه، توفي أخي الشقيق وشيخي الشفيق، القاضي جمال الدين يوسف، ترك في آخر عمره الحكم، وأقبل على التدريس والإفتاء، وكان من كثرة الفقه والكرم وسعة النفس وسلامة الصدر بالمحل الرفيع، رحمة الله تعالى، ودفن بمقابر الصالحين قبلي المقام بحلب. قلت:

أخ أبقي ببذل المال ذكراً ... وإن لاموه فيه ووبخوه

أزال فراقه لذات عبشى ... وكل أخ مفارقه أخوه

وفيه توفي الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن القدوة نبهان الجبريني بجبرين، وجلس على السجادة ابنه الشيخ محمد الصوفي، كان الشيخ علي بحراً في الكرم، رحمه الله ورحمنا بهم آمين.

وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة، ورد البريد من مصر بتولية قاضي القضاة نجم الدين عبد القاهر بن أبي السفاح، قضاء الشافعية بالمملكة الحلبية، وسررنا بذلك ولله الحمد.

وفيه ظهر بمنبج على قبر النبي متى، وقبر حنظلة بن خويلد أخي خديجة،

<<  <  ج: ص:  >  >>