لقد كنت أودُّ للأخ سليم أن يوقف بحثه ونشاطه في نشر بعض كتب الحديث الأصول التي لم تطبع بعد، أو طبعت ولكن طبعات تجارية، فيقوم هو بتحقيقها وإعادتها إلى ما تركها عليه مؤلفوها، أو قريبًا من ذلك، ومن شرح غريب ونحوه؛ فإنه أهل لذلك لو شاء، فيما يبدو لي؛ لنشاطه في البحث، ثم يعمل لنشرها، فينتفع بذلك العلماء وطلاب العلم بإذنه - تعالى -، ولا يتعدى ذلك إلى ما لا يتقنه من التصحيح والتضعيف، والتوثيق والتجريح، فذلك ما لا يحسنه إلَاّ {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ}! والأمثلة التي أشرت إليها كافية في إسداء مثل هذه النصيحة، فكيف بالآتي بعد؟!
فإن الذي يعنيني هنا بيان سبب شذوذه، ومخالفته لكافة علماء المصطلح في اشتراطهم الحفظ في الثقة على التفصيل الذي سبق بيانه، وأنه الجهل مقرونًا بالعجب والغرور والتقليد الأعمى، مع الدفاع عن رأيه ومذهب مقلَّده بحماس غريب؛ كأنه أتى بشيء لم تستطعه الأوائل، مما ذكرني بالحديث الذي يرويه بعضهم:"حبك الشيء يعمي ويصم"(١)، وقول الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبًا خاويًا فتمكّنا!
هذا هو الذي أصاب الأخ سليم - عافانا الله وإياه -؛ وإلا فكيف يعقل انحرافه عن جادة العلماء الذين وقفوا على مذهب مقلَّده ووهّنوه، فينبَري هو بالرد عليهم بغير علم ولا كتاب منير، وإنما بشبهة عرضت له ظنها علمًا، ثم بنى عليها علالي، وقصورًا، كما يأتي بيانه - إن شاء الله تعالى -؟!
لقد كان يكفيه إذا تبنى توثيق مقلَّدهِ أن يمضي عليه في تخريجاته وتصحيحاته، أما أن ينصب نفسه منصب العالم الحافظ النقَّاد، المتمكن من
(١) وهو حديث ضعيف، والراجح أنه موقوف؛ انظر "الضعيفة" (١٨٦٨).