بيد أنه قد ظهر أخيرًا بعض الناشئين في هذا العلم، الذين نرى أنهم لا يزالون في أول الطريق، بالنظر لكثرة أخطائهم تأصيلًا وتفريعًا، وهم لكثرتهم في هذا الزمان يقل ذلك منهم ويكثر، كلٌّ حسب ممارستهم ونبوغهم وإخلاصهم للعلم الشرعي بعامة، ولهذا العلم الشريف بخاصة، وجمهورهم ممن يذكرني ما نراه منهم - من بالغ أخطائهم تصحيحًا وتضعيفًا - بلطيف قول الحافظ الذهبي في أمثالهم:"يريد أن يطير، ولما يريش"! ومثله المثل المعروف: (تزبب قبل أن يتحصرم)، وتكون العاقبة كما جاء في الحكمة:(من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه)! والأنكى من ذلك مخالفة قول رب العالمين في كتابه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، وقوله:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}!
فكيف يكون حال من تعدى طوره من أولئك المشار إليهم؟ ويرد بجهل بالغ وجرأَة عجيبة على أهل العلم بهذا الفن النابغين فيه، ويكرر ذلك بمناسبة وبغير مناسبة (١)؛ أعني الاخ حسين سليم الداراني السوري الذي بدأت آثاره تظهر في بعض تحقيقاته ومنشوراته من بعد هجرتي من دمشق سنة ١٤٠٠ هـ ببضع سنين، وقد رددت عليه كثيرًا من تعدياته وأخطائه التي لا يمكن حصرها لكثرتها في عديد من مؤلفاتي وتحقيقاتي؛ كـ "السلسلتين" في المجلدات الأخيرة منها؛ لأنه لم يكن معروفًا من قبلها، ومثل "صحيح الترغيب"، وقسيمه "الضعيف"، وبصورة خاصة في هذا "صحيح الموارد"، وقسيمه أيضًا؛ لِكثرة أوهامه فيها كثرة عجيبة متنوعة، ولعله يتيسر لي ذكر نماذج منها في هذه المقدمة.
(١) انظر - على سبيل المثال - وصفه للذهبي بالجهل ببعض الرواة في تعليقه على طبعته لِـ "مجمع الزوائد" (١/ ٤٧٢)! وقد رددت عليه في "الضعيفة" تحت رقم (٦٩٢٣).