ثم إن أبا الحسنات اللكنوي عقّب على كلامه السابق بمطعنٍ عن الحافظ ابن حجر والسيوطي لا ينافي ما حققته من تساهل ابن حبان، ولا يؤيد استنكار اللكنوي لا من قريب ولا من بعيد؛ لأن غاية ما انتهيا إليه أنه اصطلاح له، و"لا مشاحَّة في الاصطلاح"؛ أعرضت عن نقلهما؛ لأن البحث ليس فيه، وإنما في تساهله، وقد تجلى لكل ذي عينين.
وقد كنت ذكرت في بعض تعليقاتي القديمة - مثلًا - أبا الفرج بن الجوزي؛ فإنه يشبه تمامًا ابن حبان من حيث إنَّه جمع بين النقيضين في شخصه، فهو معروف عند العلماء بتشدده وتعنته من جهة، وقد وصفه بذلك أبو الحسنات نفسه في "الرفع"(ص ١٣٢)، فجعله "ممن لهم تعنت في جرح الأحاديث بجرح رواتها"، ولكن فاته أنه متساهل - أيضًا - في روايته للأحاديث الواهية؛ بل والموضوعة في بعض كتبه من جهة أخرى؛ كما شهد بذلك بعض الحفاظ النقاد، والتحري العلمي الدقيق، فقال فيه الحافظ السخاوي متعجبًا منه في "فتح المغيث"(١/ ٢٣٨):
"قد أكثر في تصانيفه الوعظية، وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه".
وترى بعض الأمثلة على ما ذكر في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" رقم (٥٥٨٨، ٦٩١٩ - ٦٩٢١).
قلت: فقد ثبت يقينًا أنه لا منافاة بين كون ابن حبان متساهلًا في توثيق بعض رواته في "الثقات" - كما وصفه كثير من الحفاظ النقاد -، وبين كونه متعنتًا في ذلك - كما وصفه آخرون منهم أو من غيرهم -، فالوصفان قائمان به، والكل صادق فيما وصف.