وإذا تبين هذا؛ فلا وجه لما فعله بعض المتأخرين من التمثيل بهذا الحديث الصحيح للحديث الشاذ، بدعوى أنّ يوم عرفة لم يذكر في الأحاديث الأخرى، كحديث أبي هريرة الآتي بعده؛ لأن حديثها حديث مستقل سندًا ومتنًا، فلا يخالفه ولا يصدق عليه ما جاء في تعريف الحديث الشاذ، وزيادة الثقة مقبولة كما هو معروف عند المتفنّنيين بهذا العلم، فلا جرم أنّ يتتابع الحفاظ على تصحيحه دون خلاف بينهم أعلمه (انظر مقدمة في علم العلل، المطبوعة في مقدمة "المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي" تأليف الشيخ أحمد بْن الصديق الغماري - رحمه الله - (ص ١٤)، والمقدمة بقلم الشيخ المحدث حسين بْن محمّد الأنصاري اليماني - رحمه الله - طبعها الناشر). فالأنصاري هذا مثّل بهذا الحديث للشاذ في المتن، ولكنه لم يستقر عليه؛ لأنه نقل عن بعض المتأخرين أنه حمله على من كان واقفًا بعرفة للحج، وهذا هو الصواب لما بيّنا آنفًا. وبهذه المناسبة أقول: ما هو موقف المتحمسين لتأويل حديث النّهي عن صوم يوم السبت نهيًا مطلقًا إِلَّا في الفرض كما تقدّم في (٢٧ - باب)؛ كحملهم إياه على إفراده، فهل يقولون كذلك في النّهي عن صوم يوم النَّحر، وصوم اليوم الأخير من أيام التّشريق؟ فإن قالوا: لا، تمسكًا بعموم النّهي؛ قلنا: أصبتم ولزمتكم الحجة، وإن قالوا: بلى؛ قلنا: انحرفتم عن المحجة، أو {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}!