قال: بلى يا ربّ! قال: فماذا عَمِلْتَ فيما عَلِمْتَ؟ قال: كنتُ أَقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النّهارِ، فيقولُ الله تباركَ وتعالى له: كذبتَ! وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ! ويقول الله: بل أَردتّ أَن يُقالَ: فلان قارئ، وقد قيل ذلك.
ويؤتى بصاحبِ المالِ، فيقولُ الله له: أَلم أُوسِّعْ عليك حتّى لم أدعك تحتاجُ إِلى أَحدٍ؟! قال: بلى يا ربّ! قال: فماذا عملتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أَصلُ الرحمَ وأَتصدّقُ، [قال:] فيقول الله له: كذبتَ! وتقول له الملائكةُ: كذبت! [ويقول الله:] بل [إِنّما] أَردّتَ أن يقال: فلان جَواد، فقد قيل ذلك.
ويؤتى بالذي قتل في سبيلِ اللهِ، فيقال له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أُمِرتُ بالجهادِ في سبيلِك، فقاتلتُ حتّى قتلتُ، فيقول الله له: كذبتَ! وتقول له الملائكةُ: كذبت! ويقول الله: بل أَردتَ أن يقالَ: فلان جَريءٌ، فقد قيل ذاك".
ثمَّ ضربَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركبتي، ثم قال:
"يا أَبا هريرة! أُولئكَ الثلاثةُ أَوّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بهم النّار يوم القيامة".
قال الوليد بن أَبي الوليد: أخبرني عقبةُ أنَّ شُفَيًّا هو الذي دخلَ على معاوية، فأَخبره بهذا الخبر.
قال أَبو عثمان الوليد: وحدثني العلاءُ بن [أَبي] حكيم: أنّه كانَ سيّافًا لمعاوية، قال: فدخلَ عليه رجل فحدّثه بهذا عن أَبي هريرة، فقال معاوية: قد فعلَ بهؤلاءِ مثل هذا، فكيفَ بمن بقي من الناسِ؟! ثمَّ بكى معاوية بكاءً شديدًا؛ حتّى ظننا أنّه هالك، فقلنا: قد جاءنا هذا الرَّجلُ بشرٍّ، ثمَّ أَفاقَ معاوية ومسحَ عن وجهه فقال: صدقَ الله ورسولُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ