للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قتل الذباب دفعاً لضرره. وأنه يطرح ولا يؤكل. وأن الذباب إذا مات في مائع لا ينجسه، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه ومعلوم أنه يموت من ذلك ولاسيما إذا كان الطعام حاراً فلو كان ينجسه لكان أمراً بافساد الطعام. وهو صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإصلاحه. ويتعدى هذا الحكم الى كل مالا نفس له سائلة، كالنملة والزنبور - ومنه النحل - والعنكبوت وأشباه ذلك، إذ الحكم يعم بعموم علته، وينتقي بانتفاء سببه. فلما كان سبب التنجس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته، وكان ذلك مفقوداً فيما لا دم له سائل، انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته.

والأمر بغمسه، ليخرج الشفاء منه كما خرج الداء منه (وقد علم) أن في الذباب قوة سمية كما يدل عليه الورم والحكة الحاصلة من لسعه، وهي بمنزلة السلاح، فإذا وقع فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه كما قال صلى الله عليه وسلم "فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء" ولذا أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن تقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى فيه من الشفاء في جناحه الآخر بغمسه كله، فتقابل المادة السمية المادة النافعة فيزول ضررها (وقد) ذكر غير واحد من الأطباء ان لسعة العقرب والزنبور إذا دلك موضعها بالذباب، نفع منه نفعاً بيناً ويسكن أثرها، وما ذلك إلا للمادة التي فيه من الشفاء (١).

(والحاصل) أن هذا الحديث الصحيح ناطق بأن الذباب فيه شفاء، فهل بعد ذلك يتخيل من عنده شائبة تمييز إنكار ذلك، ويحكم برد الحديث مستدلاً على زعمه بدعوى بعض الأطباء، أن الذباب لا شفاء فيه. ولو كان


(١) انظر ص ٣٠ و ٣١ ج ١ سبل السلام. (شرح حديث الذباب).