الثاني: أنه مصدر نوعي على مثال ما يقال عظم السلطان تعظيم السلطان أي تعظيمًا يليق بجنابه ويناسب من يتصف بالسلطنة والمعنى أسبّحه تسبيحًا يختص به، وذلك إذا كان بما يليق بجنابه ولا يستحقه غيره فالإضافة لا إلى الفاعل ولا إلى المفعول بل للاختصاص فتأمله.
الثالث: أنه مصدر نوعي ولكنه على مثال ما يقال اذكر الله مثل ذكر الله فالمعنى أسبّح الله تسبيحًا مثل تسبيح الله لنفسه أي مثل ما سبّح الله به نفسه فهو صفة لمصدر محذوف بحذف المضاف إلى سبحان وهو لفظ المثل فالإضافة في سبحان الله إلى الفاعل.
الرابع: أنه مصدر أريد به الفعل مجازًا كما أن الفعل يذكر ويراد به المصدر مجازاً كقوله: تسمع بالمعيدي وذلك لأن المصدر جزء مفهوم الفعل وذكر البعض وإرادة الكل مجاز كعكسه، ولما كان المراد منه الفعل الذي أريد به إنشاء التسبيح بني هذا المصدر على الفتح فلا محل له من الإعراب، وذلك لأن الأصل في الفعل أن يكون مبنيًّا وذلك لأن الشبه الذي به أعرب المضارع منعدم في الإنشاء فمثله كمثل أسماء الأفعال وهذا وجه نحوي يمكن أن يقال به فافهم. قال: وما ذكرناه لا يبطل كون هذا اللفظ معربًا في الأصل فلا يضرّنا ما جاء في شعر أمية منوّنًا وأما ما يتعلق بمعناه ومغزاه فهو أنه قد فهم من هذا أيضًا تقدّس الأسماء والصفات لأن الذات مع الأسماء والصفات متلازمان في الوجود والعدم بالتحقيق ولأن انتفاء تقديس الأسماء والصفات يستلزم انتفاء تقديس الذات لأنها قائمة بالذات ومقتضياتها لكن انتفاء تقديس الذات منتفٍ، وإذا حصل الاعتراف والاعتقاد بأنه منزّه عن جميع النقائص وما لا ينبغي أن ينسب إليه ثبتت الكمالات ضرورة التزامًا وحصل توحيد الربوبية وثبت التقديس في كل كمال عن المشابهة والمماثلة والشركة وكلا ما لا يليق فثبت أنه الرب على الإطلاق للأنفس والآفاق فهو المستحق لأن يشكر ويعبد بكل ما يمكن على الانفراد بالحق والحقيقة وتوحيد الربوبية حجة ملزمة وبرهان موجب توحيد الألوهية فتتضمن هذه الكلمة إثبات التوحيدين كما تتضمن إثبات الكمالين، وهذان الإثباتان في ضمنهما كل مدح ممكن فيما يرجع إلى الله تعالى ولما كان الاتّصاف بالكمال الوجودي مشروطًا بخلوّه عما ينافيه قدّم التسبيح على التحميد في الذكر ما تقدّم التخلية عن التحلية ومن هذا القبيل تقدّم النفي على الإثبات في لا إله إلا الله انتهى.
والواو في قوله:(وبحمده) للحال أي أسبّحه متلبّسًا بحمدي له من أجل توقه لي للتسبيح ونحوه، وقيل عاطفة أي أسبّح وأتلبس بحمده وأما الباء فيحتمل أن تكون سببية أي أسبّح الله وأثني عليه بحمده، وقال ابن هشام في مغنيه: اختلف في الباء من قوله فسبّح بحمد ربك فقيل: إنها للمصاحبة والحمد مضاف للمفعول أي سبّحه حامدًا له أي نزّهه عما لا يليق به وأثبت له ما يليق به. قال البدر الدماميني في شرحه للمغني: قصد أي ابن هشام تفسير التسبيح والحمد بما ذكره إذ هو الثناء بالصفات الجميلة.
فان قلت: من أين يلزم الأمر بالحمد وهو إنما وقع حالاً مقيدة للتسبيح ولا يلزم من الأمر