للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل الحلقة والحصون، ومنهم (١) حلفاء للحيَّين جميعًا الأوسِ والخزرج، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلمًا وأبوه مشركًا، فكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أذًى شديدًا، فأمر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزل الله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اُلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ اَلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ اِلْأُمُورِ} [آل عمران: ١٨٦]، وفيهم أنزل الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ اِلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} الآية [البقرة: ١٠٨].

فلما أبى ابنُ الأشرف أن ينزع (٢) عن أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذى المسلمين، وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من بدرٍ بقتل المشركين وأَسْرِ من أُسِر منهم، فرأى الأسارى مقرَّنين كُبِت وذلَّ، ثم قال لقومه: ويلكم! واللهِ لَبطن الأرض خيرٌ لكم من ظهرها اليوم، هؤلاء سَراة الناس قد قُتِلوا وأُسروا، فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا. فقال: وما أنتم وقد وطئ قومَه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريشٍ فأحضها وأبكي قتلاها، لعلهم ينتدبون فأخرج معهم، [فخرج] حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن صُبَيرة السهمي (٣) وتحته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص، فجعل يرثي قريشًا ــ وذكر ما رثاهم به من الشعر، وما أجابه حسانٌ. [قال: ودعا


(١) في الأصل: «ومن»، تصحيف.
(٢) في الأصل: «يدع»، تصحيف.
(٣) كذا في رواية الواقدي. وسبق عند ابن إسحاق أنه نزل على ابنه «المطلب بن أبي وداعة السَّهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية».