للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك له من التأثير والأذى والصد عن سبيل الله ما ليس للكلام المنثور. ولذلك (١) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر حسَّانَ (٢) أن يهجوهم ويقول: «إنه أنكى فيهم من النبل» (٣)، فيؤثر هجاؤه فيهم أثرًا عظيمًا يمتنعون به من أشياء لا يمتنعون عنها لو سُبُّوا بكلامٍ منثورٍ أضعاف الشعر.

وأيضًا: فإن كعب بن الأشرف وأم الولد المتقدمة تكرر منهما سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأذاه، والشيء إذا كثُر واستمرَّ صار له حالٌ أخرى ليست له إذا انفرد. وقد ذكرتم أن الحنفية يجيزون قتل من كثر منه مثلُ هذه الجريمة، وإن لم يجيزوا قتل من لم يتكرر منه.

فإذًا ما دل عليه الحديث يمكن المخالف أن يقول به.

فالجواب من وجوهٍ (٤):

أحدها: أن هذا يفيدنا (٥) أن السب في الجملة من الذمي يقتضي إهدار دمه وانتقاض عهده. ويبقى الكلام في الناقض للعهد: هل هو نوع خاصٌّ من السب وهو ما كثُر وغلظ، أو هو مطلق السب؟ هذا نظر آخر، فما كان مثل هذا السبِّ وجب أن يقال: إنه مُهدِرٌ لدم الذمي حتى لا يسوغ لأحدٍ أن يخالف نصَّ السنة، فلو زعم زاعمٌ أن شيئًا من سب الذمي وأذاه لا يبيح دمه


(١) في الأصل: «وكذلك»، تصحيف.
(٢) كذا في الأصل تبعًا «للصارم» (٢/ ١٧٢).
(٣) أخرجه مسلم (٢٤٩٠) من حديث عائشة، ولفظه: «إنه أشدُّ عليها من رشقٍ بالنَّبل».
(٤) وهي في «الصارم» (٢/ ١٧٣ وما بعده).
(٥) تحرَّف في الأصل إلى: «يقتل نا»، فصار في المطبوع: «يُقتَل، لأن».