للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما نزلت آية الجزية أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن بقي على كفره من النصارى والمجوس، ولهذا لم يأخذها من يهود المدينة حين قدم المدينة، ولا من يهود خيبر، لأنهم (١) صالحهم قبل نزول آية الجزية.

وهذه الشبهة هي التي أوقعتْ عند اليهود أن أهل خيبر لا جزية عليهم، وأنهم مخصوصون بذلك من جملة اليهود، ثم أكَّدوا أمرها بأن زوَّروا كتابًا (٢) فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقط عنهم الكُلَفَ (٣) والسُّخَر (٤) والجزية، ووضعوا فيه شهادة سعد بن معاذٍ ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما. وهذا الكتاب كذِبٌ مختلقٌ بإجماع أهل العلم من عشرة أوجهٍ (٥):

منها: أن أحدًا من علماء النقل والسير والمغازي لم يذكر (٦) أن ذلك وقع البتةَ، مع عنايتهم بضبط ما هو دون ذلك بكثيرٍ.

الثاني: أن الجزية إنما نزلت بعد فتح خيبر، فحينَ صالح أهل خيبر لم


(١) في المطبوع: "لأنه" خلاف ما في الأصل.
(٢) انظر: "مجموعة الوثائق السياسية" (ص ٩١، ٩٣، ٩٥).
(٣) جمع كُلْفة، ما يتكلَّفه الإنسان على مشقة. والمراد هنا ما يكلَّفون به من الضرائب ونحوها.
(٤) جمع سُخْرة، ما يُسخّره الإنسان من دابّة أو رجلٍ بلا أجرٍ ولا ثمنٍ.
(٥) نقل المؤلف في "زاد المعاد" (٣/ ١٧٨، ١٧٩) عن شيخ الإسلام بعض هذه الأوجه. وذكرها كاملة في "المنار المنيف" (ص ٩٢ - ٩٤). وسيذكر المؤلف وجوهًا أخرى فيما يأتي (ص ٧٧ - ٧٩).
(٦) في الأصل: "لم يذكروا".