للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهل الذمة ليسوا عدوًّا محاربًا، وقتيلهم مضمونٌ، فإذا ورث المسلم منهم كان هذا موافقًا للأصول، وقوله: «الكافر» أريد به الكافر المطلق، وهو المعادي المحارب، لم يدخل فيه المنافق، ولا المرتد، ولا الذمي. فإذا كان المؤمن يرث المنافق لكونه مسالمًا له مناصرًا له في الظاهر، فكذلك الذمي، وبعض المنافقين شرٌّ من بعض أهل الذمة.

وقد ذهب بعضهم إلى أنه يرث المسلمُ الكافر بالموالاة، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، نصَّ عليه في رواية الجماعة: حنبل، وأبي طالب، والمروذي، والفضل بن زيادٍ؛ في المسلم يُعتق العبدَ النصراني، ثم يموت العتيق: يرثه بالولاء (١)، واحتجَّ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الولاء لمن أعتق» (٢).

قال المانعون من التوريث: له عليه الولاء، ولكن لا يرث به.

قال المورِّثون: ثبوت الولاء يقتضي ثبوت حكمه، والميراث من حكمه.

وقال عبد الله بن وهبٍ: حدثنا محمد بن عمرٍو، عن ابن جريجٍ، عن أبي الزبير، عن جابرٍ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يرث المسلمُ النصرانيَّ إلا أن يكون عبدَه أو أمتَه» (٣).


(١) انظر: «الجامع» للخلال (٢/ ٤١٣).
(٢) أخرجه البخاري (٤٥٦) ومسلم (١٥٠٤) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) أخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٣٥٦) والدارقطني في «السنن» (٤٠٨١) والحاكم (٤/ ٣٤٥) والبيهقيُّ (٦/ ٢١٨)، كلهم من طريق ابن وهب، عن محمد بن عمرٍو به. ومحمد بن عمرٍو هو اليافعي، قال ابن عدي في «الكامل» (٩/ ٢٩٠): في حديثه مناكير، وأورد له هذا الحديث مستنكرًا له. وقد خالف اليافعيَّ هذا عبدُ الرزاق فرواه في «مصنفه» (٩٨٦٥) ــ ومن طريقه الدارقطني (٤٠٨٢) ــ عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا. قال الدارقطني عقبه: وهو المحفوظ. وانظر: «العلل» للدارقطني (٣٢٣٥).