للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا اُلْجِزْيَةَ}، فليس المراد به العطاء الأول وحده، بل العطاء المستمر المتكرر، ولو كان المراد به ما ذكرتم لكان الواجب أخذ الجميع عقيبَ العقد، وهذا لا سبيل إليه. على أن المعنى: حتى يلتزموا عطاء الجزية وبذْلَها، وهذه كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم أنهم إذا التزموا له بذْلَ الجزية كفَّ عنهم بمجرد التزامهم، ولهذا يَحرُم قتالهم إذا التزموها قبل إعطائهم إياها اتفاقًا، ولهذا [قال] في حديث بُريدة: "فادْعُهم إلى الجزية، فإن أجابوك فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم". وإنما كان يدعوهم إلى الإقرار بها والتزامها دون الأخذ في الحال.

واختلف أصحاب الشافعي (١)، فقال بعضهم: تجب بأول السنة دفعةً واحدةً، ولكن تستقرُّ جزءًا بعد جزءٍ. وقال بعضهم: معنى إضافة الوجوب إلى أول السنة انبساطه على جميع الأوقات، لا أنها تجب دفعةً واحدةً بأول السنة، وبَنَوا على ذلك الأخذ بالقسط إذا أسلم أو مات أو جُنَّ. وقال بعضهم: إنما يدخل وقت وجوبها عند انقضاء السنة، وهذا هو المشهور.

فصل

ولا جزية على صبي ولا امرأةٍ ولا مجنونٍ، هذا مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم. قال ابن المنذر (٢): ولا أعلم عن غيرهم خلافهم.

وقال أبو محمد في "المغني" (٣): لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في هذا.


(١) انظر: "نهاية المطلب" (١٨/ ٣٢).
(٢) في "كتاب الإجماع" (ص ٦٢). ونقله في "المغني" (١٣/ ٢١٦).
(٣) (١٣/ ٢١٦).