للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إعطائهم الكنيسة التي داخل البلد، وأقرَّ ذلك عمر بن عبد العزيز أحد الخلفاء الراشدين ومَن معه في عصره من أهل العلم، فإنَّ المسلمين لمَّا أرادوا أن يزيدوا جامع دمشق بالكنيسة التي إلى جانبه وكانت من كنائس الصُّلح، لم يكن لهم أخذها قهرًا فاصطلحوا على المُعاوَضة بإقرار كنائس العَنْوة التي أرادوا انتزاعها، وكان ذلك الإقرار عِوَضًا عن كنيسة الصُّلح التي لم يكن لهم أخذُها (١) عَنْوةً (٢).

فصل

ومتى انتقض عهدهم جاز أخذ كنائس الصلح منهم فضلًا عن كنائس العَنْوة، كما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان لقُرَيظَة والنَّضِير لمَّا نقضوا العهد، فإنَّ ناقض العهد أسوأُ حالًا من المحارب الأصلي، كما أنَّ ناقض الإيمان بالرِّدَّة أسوأُ حالًا من الكافر الأصلي.

ولذلك لو انقرض أهل مصرٍ من الأمصار ولم يبقَ مَن دخل في عهدهم، فإنَّه يصير للمسلمين جميعُ عقارهم ومنقولهم من المعابد وغيرها فيئًا. فإذا عقدت الذِّمة لغيرهم كان كالعهد المبتدأ، وكان لمَن يعقد لهم الذِّمةَ أن يُقرَّهم في المعابد، وله أن لا يُقرَّهم بمنزلة ما فتح ابتداءً، فإنَّه لو أراد الإمام عند فتحه هدْمَ ذلك جاز بإجماع المسلمين، ولم يختلفوا في جواز هدْمه، وإنَّما اختلفوا في جواز بقائه.


(١) في الأصل: «أخذوها»، تصحيف.
(٢) انظر: «تاريخ دمشق» (٢/ ٢٤٩ - ٢٥٦).