للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كقوله: {اَدْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الزمر: ٦٩]، وقوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} [الصافات: ١١٢]، ونظائر ذلك. وليس المراد: أنَّ كفره كان موجودًا بالفعل معه حين (١) طبع، كما يقال: وُلِد مَلِكًا، ووُلِد عالمًا، ووُلِد جبَّارًا. ومَن ظنَّ أنَّ الطبع المذكور في الحديث هو الطبع في قوله: {طَبَعَ اَللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [النحل: ١٠٨]، فقد غَلِط غلَطًا ظاهرًا، فإنَّ ذلك لا يقال فيه: «طُبِع يومَ طُبِع» فإنَّ الطبع على القلب إنَّما يُوجَد بعدَ كفره.

فصل

ويدلُّ على صحة ما فسَّر به الأئمةُ الفطرةَ أنَّها الدين ما رواه مسلم في «صحيحه» (٢) من حديث عِيَاض بن حِمَار المُجاشِعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: «إني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلَّهم، وإنَّهم أتَتْهم الشياطينُ فاجتالتْهم عن دينهم وحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطانًا». وهذا صريحٌ في أنَّهم خُلِقوا على الحنيفية، وأنَّ الشياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها. قال تعالى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ اُلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ اَلنُّورِ إِلَى اَلظُّلُمَاتِ} [البقرة:٢٥٦]. وهذا يتناول إخراج الشياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشرك، ومن النور الذي جاءت به الرسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضلال.


(١) في الأصل والمطبوع: «حتى»، ولعل المثبت أشبه.
(٢) برقم (٢٨٦٥).