للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أنَّهم يقولون: إنَّ معرفة الله لا تحصل إلا بالنظر المشروط بالعقل، فيستحيل أن تكون المعرفة عندهم ضرورية، أو تكون من فعل الله تعالى. وإن احتجت القدرية بقوله: «فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه» من جهة كونه أضاف التغيير إلى الأبوين، فيقال لهم: أنتم تقولون إنَّه لا يَقدِر اللهُ ولا أحدٌ من مخلوقاته على أن يجعلهما يهوديين ولا نصرانيين ولا مجوسيين، بل هما فعَلَا بأنفسهما ذلك بلا قدرة من غيرهما، ولا فعلٍ من غيرهما، فحينئذ لا حجةَ لكم (١) في قوله: «فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه».

وأهل السنة متفقون على أنَّ غير الله لا يقدر على جعل الهدى والضلال في قلب أحد، فقد اتفقت الأمة على أنَّ المراد بذلك دعوة الأبوين إلى ذلك، وترغيبهما فيه، وتربية الولد عليه، كما يفعل المعلِّم بالصبي. وذِكْرُ الأبوين بناءً على الغالب المعتاد، وإلَّا فقد يقع ذلك من أحدهما ومن غيرهما حقيقةً وحكمًا (٢).

قال محمد بن نصر (٣): واحتج ابن قتيبة بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢]، فأجابوا بكلامٍ شاهدِين مُقرِّين على أنفسهم بأن الله ربهم، ثم وُلِدوا على ذلك (٤).


(١) في الأصل: «لها»، والمثبت من هامشه موافق لمصدر المؤلف.
(٢) هنا انتهى النقل عن شيخ الإسلام.
(٣) في كتاب «الرد على ابن قتيبة»، وهو في عداد المفقود كما سبق.
(٤) لفظ ابن قتيبة في «إصلاح غلط أبي عُبيد» (ص ٥٨): «إن كل مولود في العالم على ذلك العهد وعلى ذلك الإقرار الأول». ونحوه في «تأويل مختلف الحديث» (ص ٢٠٠).