للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ومن هذا أمر العقود التي وقعت منهم في الشرك، فإن الذين أسلموا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل أحدًا منهم: كيف كان عقدك على امرأتك؟ وهل نكحتَها في عدَّتها أم بعد انقضاء عدَّتها؟ وهل نكحتَ بولي وشهودٍ أم لا؟ ولا سأل من كان تحته أختان: هل جمعتَ بينهما في عقد واحدٍ أم تزوجتَ واحدةً بعد واحدةٍ؟ وقد أسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلق الذين أسلموا، ودخلوا في دين الله أفواجًا، ولم يسأل أحدًا منهم عن صفة نكاحه، بل أقرَّهم على أنكحتهم، إلا أن يكون حين الإسلام أحدهم على نكاحٍ محرمٍ، كنكاح أكثر من أربع أو نكاح أختين، فكان يأمره أن يختار أربعًا منهن وإحدى الأختين، سواءٌ وقع ذلك في عقدٍ أو عقودٍ. وإن كان متزوجًا بذاتِ مَحرمٍ كامرأة أبيه أمره بفراقها، وهذا قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجمهور التابعين ومن بعدهم.

وأبو حنيفة ينظر إلى صفة العقد في الكفر: هل له مَساغٌ في الإسلام أم لا؟ فإن كان له مساغٌ صحَّحه، وإلا أبطله، فإن تزوج أكثر من أربع في عقد واحدٍ فسد نكاح الجميع، وإن كان في عقودٍ ثبت نكاح الأربع، وقد فسد نكاحُ من بعدهن من غير تخييرٍ، وكذلك الأختان.

والذي مضت به السنة قول الجمهور، كما في "السنن" (١) من حديث


(١) "سنن أبي داود" (٢٢٤٣)، أخرجه أيضًا أحمد (١٨٠٤٠، ١٨٠٤١ واللفظ له) والترمذي (١١٢٩، ١١٣٠)، وابن ماجه (١٩٥١) وابن حبان (٤١٥٥)، كلهم من طريق أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز الديلمي به. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وصحح إسناده البيهقي في "معرفة السنن" (١٠/ ١٣٨). وأعلَّه البخاري في "التاريخ الكبير" (٣/ ٢٤٩) فقال: "في إسناده نظر"، وقال في موضع آخر (٤/ ٣٣٣): "لا يعرف سماع بعضهم من بعض". وضعَّفه ابن القطان في "بيان الوهم" (٣/ ٤٩٤) لجهالة حال أبي وهب والضحاك.