للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين، وهؤلاء يغيِّرون الصورة بالجدع والخصاء؛ هذا يغيِّر ما خُلِق عليه قلبُه، وهذا يغيِّر ما خُلق عليه بدنُه.

فصل

قال شيخنا (١): واعلم أنَّ هذا الحديث لمَّا صارت القدرية يحتجُّون به على قولهم الفاسد، صار الناس يتأوَّلونه تأويلاتٍ يُخرِجونه بها عن مقتضاه، فالقدرية من المعتزلة وغيرهم يقولون: كل مولود يولد على الإسلام، والله لا يُضِلُّ أحدًا، ولكن أبواه يُضِلَّانه. والحديث حجةٌ عليهم من وجهين:

أحدهما: أنَّه عند المعتزلة وغيرهم من المتكلمين لم يُولَد أحدٌ منهم على الإسلام أصلًا، ولا جعل الله أحدًا مسلمًا ولا كافرًا، ولكن هذا أَحدَث لنفسه الكفرَ، وهذا أَحدَث لنفسه الإسلامَ، والله لم يفعل واحدًا منهما عندهم بلا نزاع عند القدرية، ولكن هو دعاهما إلى الإسلام، وأزاح عللهما، وأعطاهما قدرةً متماثلةً (٢) فيهما تَصلُح للإيمان والكفر، ولم يختصَّ المؤمنَ بسبب يقتضي حُصول الإيمان، فإنَّ ذلك عندهم غير مقدورٍ، ولو كان مقدورًا لكان ظلمًا. وهذا قول عامَّة المعتزلة، وإن كان بعض متأخِّريهم كأبي الحُسَين يقول: إنَّه خصَّ المؤمن بداعي الإيمان، ويقول: عند الداعي والقدرة يجب وجود الإيمان، فهذا في الحقيقة موافقٌ لأهل السنة. فهذا أحد الوجهين.


(١) «درء التعارض» (٨/ ٣٧٧ - ٣٧٩).
(٢) في المطبوع: «مماثلة»، خلاف الأصل.