للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وقوله: "فإن سألوك على أن تُنزِلهم على حكم الله فلا تُنزِلْهم على حكم الله، فإنك لا تدري أتصيب حكمَ الله فيهم أم لا" فيه حجةٌ ظاهرةٌ على أنه لا يَسُوغ إطلاق حكم الله على ما لا يعلم العبد أن الله حكم به يقينًا من مسائل الاجتهاد، كما قال بعض السلف (١): ليتَّقِ أحدكم أن يقول: أحلَّ الله كذا أو حرَّم كذا، فيقول الله له كذبتَ، لم أُحِلَّ كذا ولم أُحرِّمه.

وهكذا لا يَسُوغ أن يقول: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لِما لا يعلم صحته ولا ثقةَ رُواته، بل إذا رأى أيَّ حديث كان في أي كتابٍ، يقول: "لقوله - صلى الله عليه وسلم - "، أو "لنا قوله - صلى الله عليه وسلم - ". وهذا خطرٌ عظيمٌ، وشهادةٌ على الرسول بما لا يعلم الشاهد (٢).

وكذلك لا يَسُوغ له أن يخبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله بما لم


(١) رُوي ذلك عن الربيع بن خُثيم، أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢٠٩٠)، وابن حزم في "الإحكام" (٦/ ٥٣)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ٥٢٩) وغيرهم.
(٢) انظر: "المجموع" للنووي (١/ ٦٣)، ففيه: قال المحققون من أهل الحديث وغيرهم: إذا كان الحديث ضعيفًا لا يقال فيه: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ... وذلك أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه، فلا ينبغي أن يُطلق إلّا فيما صح، وإلّا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه. وهذا الأدب أخلَّ به جماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، بل جماهير أصحاب العلوم مطلقًا ما عدا حذَّاق المحدثين، وذلك تساهل قبيح.