للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخبر به سبحانه عن نفسه، ولا أخبر به رسوله عنه، كما يستسهله أهل البدع. بل لا يخبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله إلا بما أخبر به عن نفسه وأخبر به رسوله عنه. وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد منع الأمير أن يُنزِل أهلَ الحصن على حكم الله وقال: "لعلك لا تدري أَتُصِيبُه أم لا"، فما الظنُّ بالشهادة على الله والحكمِ عليه بأنه كذا أو ليس كذا؟

والحديث صريحٌ في أن حكم الله سبحانه في الحادثة واحدٌ معينٌ، وأن المجتهد يصيبه تارةً ويخطئه تارةً، وقد نصَّ الأئمة الأربعة على ذلك صريحًا.

قال أبو عمر بن عبد البر (١): ولا أعلم خلافًا بين الحذَّاق من شيوخ المالكيين ــ ثم عدَّهم ــ ثم قال: كلٌّ يَحكي أن مذهب مالك في اجتهاد المجتهدين والقائسين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام= أن الحقَّ من ذلك عند الله واحدٌ من أقوالهم واختلافهم، إلا أنَّ كلَّ مجتهدٍ إذا اجتهد كما أُمِر، وبالغ ولم يَألُ، وكان من أهل الصناعة، ومعه آلة الاجتهاد= فقد أدَّى ما عليه، وليس عليه غيرُ ذلك، وهو مأجورٌ على قصده الصوابَ وإن كان الحق من ذلك واحدًا.

قال: وهذا القول هو الذي عليه أكثر أصحاب الشافعي (٢).

قال: وهو المشهور من قول أبي حنيفة فيما حكاه محمد بن الحسن


(١) في "جامع بيان العلم وفضله" (٢/ ٩١٩).
(٢) انظر "الأم" (٩/ ٧٧)، و"البرهان" (٢/ ١٣١٩)، و"المستصفى" (٢/ ٣٥٧) وغيرها.