للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد بدرٍ. وكل واقعةٍ من وقائع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعداء الله اليهود كانت بعد غزوةٍ من غزوات الكفّار، ولم تكن الجزية نزلتْ بعدُ، فلما نزلتْ أخذَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نصارى نجران، وهم أول من أُخِذتْ منهم الجزية كما تبيَّن، وبُعِث معاذٌ فأخذَها من يهود اليمن.

فإن قيل: فلِمَ [لَم] يأخذْها من أهل خيبر بعد نزولها؟

قيل: كان قد تقدَّم صلحُه لهم على إقرارهم في الأرض بنصف ما يخرج منها ما شاء، فوفَى لهم عهدَهم، ولم يأخذ منهم غيرَ ما شرط عليهم. فلما أجلاهم عمر - رضي الله عنه - إلى الشام ظنُّوا أنهم يستمرُّون على أن يُعفَوا منها، فزوَّروا كتابًا يتضمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقطها عنهم بالكلية، وقد صنَّف الخطيب والقاضي وغيرهما في إبطال ذلك الكتاب تصانيفَ، ذكروا فيها وجوهًا تدلُّ على أن ذلك الذي بأيديهم موضوعٌ باطلٌ (١).

قال شيخنا: ولما كان عام إحدى (٢) وسبعمائةٍ أَحضر جماعةٌ من يهود دمشق عهودًا ادَّعَوا أنها قديمةٌ، وكلُّها بخط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقد غَشَّوها بما يقتضي (٣) تعظيمها، وكانت قد نَفَقَتْ على ولاة الأمور من مدةٍ طويلةٍ، فأُسقِطت عنهم الجزية بسببها، وبأيديهم تواقيعُ ولاةٍ، فلما وقفتُ عليها تبيَّن في نفسها ما يدلُّ على كذبها من وجوهٍ كثيرةٍ جدًّا.


(١) تقدم الكلام عليه في أول الكتاب (ص ١٢ - ١٤).
(٢) كذا في الأصل، كأنه أراد: "سنة إحدى".
(٣) في الأصل: "يتقضى" سهوًا.