للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المراد به أنَّه حين خرج من بطن أمِّه يعلم هذا الدين ويريده، فالله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا. ولكن فطرته سبحانه موجِبةٌ مقتضيةٌ لمعرفة دين الإسلام ومحبته، ففُطِروا على فطرةٍ مستلزمةٍ للإقرار بالخالق ومحبته وإخلاص الدين له، وموجَباتُ الفطرة ومقتضَياتُها تحصل شيئًا بعد شيءٍ بحسب كمال الفطرة إذا سَلِمت عن المعارض، كما أنَّ كلَّ مولودٍ يُولَد فإنَّه يُولَد على محبَّةِ ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة، فيشتهي اللبن الذي يناسبه. وهذا من قوله تعالى: {قَالَ رَبُّنَا اَلَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى} [طه: ٤٩]، وقوله: {اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّى (٢) وَاَلَّذِي قَدَّرَ فَهَدى} [الأعلى: ٢ ــ ٣]، فهو سبحانه خلق الحيوان مهتديًا إلى طلب ما ينفعه ودفع ما يضُرُّه. ثم هذا الحُبُّ والبُغض يحصل فيه شيئًا بعد شيء، ثم قد يَعرِض لكثير من الأبدان ما يفسد ما وُلد عليه من الطبيعة السليمة.

فصل (١)

قال أبو عمر (٢): وأمَّا اختلاف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث وما كان مثله، فقالت فرقةٌ: الفطرة في هذا الموضع أريد بها الخِلقة التي خُلِق عليها المولود من المعرفة بربه، فكأنَّه قال: كل مولود يولد على خِلقةٍ يَعرِف بها ربَّه إذا بلغ مَبلَغ المعرفة، يريد أنَّ خَلْقه مخالفٌ لخِلقة البهائم التي لا تصِل بخِلقتها إلى معرفته (٣). قالوا: لأنَّ الفاطر هو الخالق.


(١) انظر: «درء التعارض» (٨/ ٣٨٤) و «شفاء العليل» (٢/ ٤٠٩).
(٢) في «التمهيد» (١٨/ ٦٨).
(٣) في الأصل: «معرفة»، ولعل المثبت من «شفاء العليل» أشبه. ولفظ «التمهيد» و «الدرء»: «معرفة ذلك».