للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شيخنا (١): أمَّا ما ذكره عن ابن المبارك ومالك فيمكن أن يقال: إنَّ المقصود أنَّ آخر الحديث يبيِّن أنَّ الأولاد قد سبق في علم الله ما يعملون إذا بلغوا، وأنَّ منهم مَن يؤمن فيدخل الجنة، ومنهم مَن يكفر فيدخل النار، فلا يُحتجُّ بقوله: «كل مولود يُولَد على الفطرة» على نفي القدر كما احتجت القدرية به، ولا على أنَّ أطفال الكفار كلَّهم في الجنة لكونهم وُلِدوا على الفطرة، فيكون مقصود الأئمة أنَّ الأطفال على ما في آخر الحديث.

وأمَّا قول محمد، فإنَّه رأى الشريعة قد استقرَّت على أنَّ ولد الكافر يَتْبَع أبوَيْه في الدين في أحكام الدنيا، فيُحكَم له بحكم الكفر في أنَّه لا يُصلَّى عليه، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ولا يرِثه المسلمون، ويجوز استرقاقُه، وغير ذلك، فلم يَجُز لأحدٍ أن يحتجَّ بهذا الحديث على أنَّ حكم الأطفال في الدنيا حكم المؤمنين. وهذا حقٌّ، ولكنَّه ظنَّ أنَّ الحديث اقتضى الحكمَ لهم في الدنيا بأحكام أطفال المؤمنين، فقال: هذا منسوخٌ كان قبل الجهاد، لأنَّه بالجهاد أُبِيح استرقاق النساء والأطفال، والمؤمن لا يُسترَقُّ. ولكن كون الطفل يَتبَع أباه في الدين في الأحكام الدنيوية أمرٌ ما زال مشروعًا، وما زال الأطفال تبعًا لآبائهم في الأمور الدنيوية، فالحديث لم يَقصِد بيانَ هذه الأحكام، وإنما قصَدَ ما وُلِدوا عليه من الفطرة.

وإذا قيل: إنَّه وُلِد على فطرة الإسلام أو خُلِق حنيفًا ونحو ذلك، فليس


(١) في «درء التعارض» (٨/ ٣٨٢).