للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفطرة الدين؟ قال: نعم.

وقد نصَّ في غير موضع (١) أنَّ الكافر إذا مات أبواه أو أحدهما حكم بإسلامه، واستدل بالحديث: «كلُّ مولود يولد على الفطرة»، ففسَّر الحديث بأنَّه يُولَد على فطرة الإسلام، كما جاء ذلك مصرَّحًا به في الحديث. ولو لم يكن ذلك معناه عنده لَمَا صحَّ استدلاله به. وفي بعض ألفاظه: «ما من مولود إلا يولد على هذه الملة» (٢).

وأمَّا قول أحمد في مواضع أُخَر: يولد على ما فُطر عليه من شقاوة أو سعادة، فلا تنافي بينه وبين قوله: إنَّها الدين، فإنَّ الله سبحانه قدَّر الشقاوة والسعادة وكتبهما، وإنها تكون بالأسباب التي تحصُل بها كفعل الأبوين، فتهويدهما وتنصيرهما وتمجيسهما هو مما (٣) قدَّره الله تعالى. والمولود يولد على الفطرة مسلمًا، ووُلِد (٤) على أنَّ هذه الفطرة السليمة قد يغيِّرها الأبوان كما قدَّر الله ذلك وكَتَبه، كما مثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: «كما تُنتَج البهيمةُ جمعاءَ، هل تُحِسُّون فيها من جدعاء؟» (٥). فبيَّن أنَّ البهيمة تولد


(١) وقد سبق (ص ٩٣) بعض الروايات عنه في ذلك. والمؤلف صادر عن «درء التعارض» (٨/ ٣٦١ وما بعدها) إلى آخر هذا الفصل وما بعده من الفصول، وسيصرّح بذكر شيخ الإسلام في مواضع. وقد أورد المؤلف هذا البحث في كتابه «شفاء العليل» (٢/ ٣٩٠ وما بعدها) بنحوٍ مما هنا.
(٢) أخرجه مسلم عقب (٢٦٥٨/ ٢٣)، وقد تقدم.
(٣) في الأصل: «بما»، والمثبت من «الدرء» و «شفاء العليل».
(٤) كذا في الأصل، وكأن «ووُلِد» زائد، فالكلام مستقيم بدونه.
(٥) هو جزء من حديث أبي هريرة المتقدم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة».