قيل: إنَّما اعتمد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومَن بعده في الغيار سُنَّتَه - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه أرشد إلى مخالفتهم والتميُّزِ (١) عنهم، حيث لم يكن إلزامهم بالغيار إذ ذاك مُمكِنًا، لأنَّ المسلمين لم يكونوا قد استولَوا على أهل الكتاب وقهروهم وأذلُّوهم وملكوا بلادهم، بل كانت أكثر بلادهم لهم، وهم فيها أهل صلح وهُدنة، فكان المقدور عليه إذ ذاك أمرَ المسلمين [بـ] مخالفتهم بحسب الإمكان.
فلمَّا فتح الله على المسلمين أمصار الكفار وملَّكهم ديارَهم وأموالَهم، وصاروا تحت القهر والذل، وجرت عليهم أحكامُ الإسلام= ألزمهم الخليفةُ الراشدُ والإمامُ العدلُ الذي ضرب اللهُ الحقَّ على لسانه وقلبه وأمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - باتباع سُنَّته عمرُ بن الخطاب بالغيار، ووافقه عليه جميع الصحابة واتبعه الأئمة والخلفاء بعده. وإنَّما قصَّر في هذا مِن الملوك من قَلَّت رغبتُه في نَصر الإسلام وإعزاز أهله وإذلال الكفر وأهله.
وقد اتفق علماء المسلمين على وجوب إلزامهم بالغيار، وأنَّهم يُمنَعون من التشبُّه بالمسلمين في زيِّهم.
فصل
قالوا:(ولا نتشبَّه بالمسلمين في مراكبهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلَّد السيوف، ولا نتَّخذ شيئًا من السلاح ولا نحمله معنا).
فأهل الذمة ممنوعون من ركوبهم السروج، وإنَّما يركبون الأُكُف ــ وهي
(١) في الأصل والمطبوع: «والنهي عنهم»، لا معنى له! ولعله مصحَّف عن المثبت.