للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم - العهد إلى جميع المعاهدين من المشركين، وقد قال تعالى: {إِلَّا اَلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ اَلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}؟ فقد حرَّم نبذ عهد هؤلاء وأوجب إتمام عهدهم إلى مدتهم، فكيف يقال: إن الله سبحانه أمر بنبذ العهود الموقَّتة؟

فقول من لا يجوِّز العهد المطلق قولٌ في غاية الضعف (١)، كقول من يجوِّز نبذَ كل عهدٍ وإن كان مؤجَّلًا بلا سببٍ، فقوله سبحانه بعد هذا: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اَللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا اَلَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ فَمَا اَسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاَسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اُلْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٧]، فهؤلاء ــ والله أعلم ــ هم المُستثْنَون في تلك الآية، وهم الذين لهم عهدٌ إلى مدةٍ، فإنَّ هؤلاء لو كان عهدهم مطلقًا لنبذ إليهم كما نبذ إلى غيرهم وإن كانوا مستقيمين كافِّين عن قتاله، فإنه نبذ إلى جميع المشركين لأنه لم يكن لهم عهدٌ مؤجَّلٌ يستحقون به الوفاء، وإنما كانت عهودهم مطلقةً غير لازمةٍ، كالمشاركة والوكالة. وكان عهدهم لأجل المصلحة، فلما فتح الله مكة وأعزَّ الإسلام وأذلَّ أهل الكفر لم يبقَ في الإمساك عن جهادهم مصلحةٌ، فأمر الله به (٢)، ولم يأمر به حتى نبذ إليهم على سواءٍ لئلا يكون قتالهم قبل إعلامهم غدرًا.

وهذا قد يستدل به على أنَّ العقد الجائز كالشركة والوكالة لا يَثبُت حكمُ فسخه في حق الآخر حتى يعلم بالفسخ. ويحتج به من يقول: إنَّ الوكيل لا


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ١٤٠).
(٢) أي: بالجهاد.