يقدر يعمل وهو موسرٌ: إنه لا تجب عليه الجزية، لأنها إنما تجب على الصحيح المعتمل. وكذلك إن مرِض نصفَ السنة أو أكثرها، فإن صحَّ ثمانية أشهرٍ أو أكثر فعليه الجزية، ولأن المريض لا يقدر على العمل فهو خالٍ من الغنى. وكذلك إذا مرِض أكثر السنة أن الأكثر يقوم مقام الجميع. وكذلك إذا مرض نصفَ السنة أن الموجب والمُسقِط (١) تساويا فيما طريقه العقوبة، وكان الحكم للمسقط كالحدود.
واحتج لهذا القول بأن الله سبحانه أمر بقتالهم حتى يُعطوا الجزية، وبأنها عقوبةٌ وإذلالٌ وصَغارٌ للكفر وأهله، فلا يتأخَّر عن القدرة على أخذها.
قالوا: وهذا على أصلِ من جعلها أجرةَ سكنى الدار أَطردُ، فإن الأجرة تجب عقيبَ العقد، وإنما أُخِذت منهم مُقسَّطةً بتكرر الأعوام رفقًا بهم، وليستمرَّ نفعُ الإسلام بها وقوَّتُه كلَّ عامٍ بخراج الأرضين.
قال الأكثرون: لما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزيةَ على أهل الكتاب والمجوس لم يُطالِبْهم بها حتى ضربها عليهم، ولا ألزمهم بأدائها في الحال وقتَ نزول الآية بل صالحَهم عليها، وكان يبعثُ رسلَه وسُعاتَه فيأتون بالجزية والصدقة عند محلِّهما، واستمرت على ذلك سيرةُ خلفائه من بعده. وهذا مقتضى قواعد الشريعة وأصولها، فإن الأموال التي تتكرر بتكرر الأعوام إنما تجب في آخر العام لا في أوله كالزكاة والدية، ولو أن رجلًا أجَّلَ على رجل مالًا كلَّ عامٍ يعطيه كذا وكذا لم يكن له المطالبة بقسط العام الأول عقيبَ العقد.