للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أنَّه لو ظهر علينا لم يرقب العهد الذي بيننا وبينه، فإنَّه إذا كان هذا فِعله مع وجود العهد والذلة، فكيف يكون مع القدرة والدولة؟ وهذا بخلاف مَن لم يُظهِر لنا شيئًا من ذلك، فإنَّه يجوز أن يفي لنا بالعهد ولو ظهر.

فإن قيل: فالآية إنَّما هي في أهل الهُدنَة المقيمين في دارهم.

قيل: الجواب من وجهين: أحدهما: أنَّ لفظها أعمُّ. الثاني: أنَّها إذا كان معناها في أهل الذمة المقيمين بدارهم فثبوته في أهل الذمة المقيمين بدارنا أولى وأحرى.

فصل

الدليل الرابع: قوله تعالى: {وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئمَّةَ اَلْكُفْرِ} [التوبة: ١٢]، فأمر سبحانه بقتال مَن نكث يمينه، أي: عهده الذي عاهدَنا عليه من الكفِّ عن أذانا والطعن في ديننا، وجَعَل علَّة قتاله ذلك، وعطف الطعن في الدين على نكث العهد وخصَّه بالذكر بيانًا أنَّه من أقوى الأسباب الموجبة للقتال، ولهذا تغلَّظ على صاحبه العقوبة.

وهذه كانت سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه كان يَهدِر دماء مَن آذى الله ورسوله وطعن في الدِّين ويُمسِك عن غيره.

فإن قيل: فالآية تدلُّ على أنَّ مَن نقض عهدَه وطعن في الدِّين فإنَّه يُقاتَل، فمن أين لكم أن من طعن في الدين ولم ينقض العهد (١) يُقاتَل؟ ومعلومٌ أنَّ


(١) في الأصل لحق في الهامش غير محرر يشبه: «له» ولم يتبيَّن وجهه، وأثبت في المطبوع: «لم» ففسد السياق وانقلب المعنى.