للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أنَّه سبحانه نبَّه على أنَّ هذا الإلحاق مختصٌّ بأهل الإيمان. وأمَّا الكفار فلا يُؤَاخَذون إلا بكسبهم، فقال تعالى: {كُلُّ اُمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين} [الطور: ١٩].

واحتجَّوا أيضًا بقوله تعالى إخبارًا عن نوح أنَّه قال: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٩]، والفاجر والكَفَّار من أهل النار.

وهذا لا حجةَ فيه، لأنَّه إنَّما أراد به كُفَّار أهل زمانه قطعًا، وإلَّا فمَن بعدهم من الكفار قد وَلَد بعضُهم الأنبياءَ، كما وَلَد آزرُ إبراهيمَ الخليل.

وأيضًا فقوله: {فَاجِرًا كَفَّارًا} حالٌ مقدرةٌ، أي مَن إذا عاش كان فاجرًا كفارًا، ولم يُرِد به أنَّ أطفالهم حال سقوطهم يكونون فجرةً كفرةً، كما تقدَّم بيانُه.

فصل

المذهب الثالث: أنَّهم في الجنة. وهذا قول طائفة من المفسرين والفقهاء والمتكلمين والصوفية. وهو اختيار أبي محمد بن حزم (١) وغيره.

واحتجَّ هؤلاء بما رواه البخاري في «صحيحه» (٢) عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يُكثِر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحدٌ منكم رؤيا»، قال: فيقصُّ عليه مَن شاء الله أن يقصَّ، وإنَّه قال لنا ذات غَدَاة: «إنَّه أتاني الليلة آتيان ... » وذكر الحديث، وفيه: «فأتينا على روضة مُعْتَمَّة، فيها


(١) انظر: «الفصل في الملل والأهواء والنحل» (٤/ ٦٠).
(٢) برقم (٧٠٤٧).