للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن تكون له شبهةُ أمانٍ. ومثل ذلك لا يجوز قتله لمجرد الكفر، فإن الأمان يعصم دم الحربي، ويصير مستأمنًا بأقل من هذا كما هو معروفٌ في مواضعه. وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذى الله ورسوله.

ومن حلَّ قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمانٍ ولا بعهدٍ، كما لو آمن (١) المسلمُ من وجب قتلُه لأجل قطع الطريق ومحاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد المُوجِبِ للقتل، أو من وجب قتله لأجل زناه، أو آمن من وجب قتله لأجل الردة، أو لأجل ترك أركان الإسلام، ونحو ذلك. ولا يجوز أن يعقد [له] عهدٌ، سواءٌ كان عقدَ أمانٍ أو عقد هدنةٍ أو عقد ذمةٍ، لأن قتله حدٌّ من الحدود، ليس قتله لمجرد كونه كافرًا حربيًّا كما سنذكره.

أما الإغارة والبيات فليس هناك قول ولا فعلٌ (٢) صاروا به آمنين، ولا اعتقدوا أنهم قد أُومِنوا، بخلاف قصة كعب بن الأشرف، فثبت أن أذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يُحقَن معه الدم بالأمان، فلأن لا يحقن معه بالذمة المؤبدة والهدنة الموقتة بطريق الأولى، فإن الأمان يجوز عقده لكل كافرٍ ويعقده كلُّ مسلم، ولا يشترط على المستأمن شيء من الشروط، والذمةُ لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، ولا يعقد إلا بشروطٍ كثيرةٍ تُشترط على أهل الذمة من التزام الصغار ونحوه.

فإن قيل: كعب بن الأشرف سبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهجاء والشعر، وهو كلامٌ موزونٌ يُحفَظ ويروى، ويُنشد بالأصوات والألحان، ويشتهر بين الناس،


(١) في الأصل: «من»، تصحيف.
(٢) في الأصل: «قولا».