للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد استشكل هذا من لم يدرك دقة فقه أبي عبد الله، فقال بعض الأصحاب: كأنه رأى أن وصيته لأقاربه وصِلَتَه لهم قرينةٌ تدل على أنه أراد أهلَ الإسلام منهم، والكفار وإن دخلوا في القرابة فيجوز تخصيصهم بقرينةٍ تُخرِجهم، فإذا سمّاهم فقد نصَّ عليهم، فيستحقون. وقد تضمن جواب أحمد أمورًا ثلاثةً:

أحدها: صحة الوصية للذمي المعيَّن، وكذلك يصح الوقف عليه، وفعلت صفية بنت حُيَيّ أم المؤمنين هذا وهذا.

قال سعيد بن منصورٍ (١): حدثنا سفيان، عن أيوب، عن عكرمة أن صفية بنت حُييٍّ باعت حجرتها من معاوية بمائة ألفٍ، وكان لها أخٌ يهودي فعرضت عليه أن يُسلِم فأبى، فأوصتْ له بثلث المائة.

وقال الشيخ في "المغني" (٢): وروي أن صفية بنت حُييٍ وقفتْ على أخٍ لها يهودي.

الأمر الثاني: أن الوصية لا تصح للكفار، وإن صحت للمعيَّن الكافر، فالفرق بين أن يكون الكفر جهةً أو تكون الجهة غيره، والكفر ليس بمانعٍ، كما أوصت صفية لأخيها وهو يهودي، فلو جعل الكفر جهةً لم تصح الوصية اتفاقًا، كما لو قال: أوصيتُ بثلثي لمن يكفر بالله ورسوله ويعبد الصليب


(١) في "سننه" (٤٣٧ - نشرة الأعظمي). وأخرجه عبد الرزاق (٩٩١٣) عن معمر عن أيوب به بنحوه.
(٢) (٨/ ٢٣٦).