للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٢] قال: أخذه الميثاق (١).

قال محمد: فقد ذكرنا ما حضَرَنا من الأخبار المروية عن السلف في تأويل قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ} الآية، وليس في شيء منها أنَّ الطفل يسقط من بطن أمِّه وهو عارفٌ بالله، ولا في شيء منها دليل على ذلك.

قلت: أبو محمد لم يُرِد أنَّهم وُلِدوا عارفين بالله معرفةً حاصلةً معهم بالفعل، وإنَّما أراد أنَّهم وُلِدوا على حُكم تلك الفطرة والميثاقِ الذي أخذ عليهم، بحيث لو خُلُّوا وفِطَرَهم لَمَا عَدَلوا عن مُوجَب ذلك.

قال محمد: فيقال له: هل عندك من دليل يدلُّ على أنَّ الفطرة التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ كلَّ مولود يولد عليها هي المعرفة بالله؟ أو هل يُحكى عن أحد من السلف أنَّه قال ذلك؟ أو هل يُدَلُّ على ذلك بقياس؟ فإن أتى بشيء من هذه الدلائل، وإلا بان باطلُ دعواه.

فإن هو رجع إلى قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ} الآية، فقال: استشهادُ الله ذريةَ آدم على أنَّه ربُّهم دليل على أنَّ معرفة ذلك متقدِّمةٌ عندهم كما (٢) استشهدهم عليه، فهذه غاية حُجَّته عند نفسه. قال: لأنَّ كل مستشهَدٍ على شيءٍ لم تتقدَّم المعرفةُ عنده بما استُشهِد عليه قبلَ الاستشهاد، فإنَّ المستشهِد دعاه إلى أن شَهِد بقول الزُّور، والله لا يأمر أحدًا بذلك.


(١) أخرجه أيضًا الطبري (٥/ ٥٤٩) وابن أبي حاتم (٢/ ٦٩٦) من طريقين عن أبي جعفر الرازي عن الربيع به نحوه.
(٢) كذا في الأصل والمطبوع، ولعل صوابه: «لِما».